أمل الكردفاني- الرجل الذي يبيض- قصة للتسلية

ضرب ابن حرُّون خادمه ضرباً مبرحًا وهو يصيح:
- يا ابن الكلب تسرق بيض دجاجاتي ثم تسرق دجاجتين أيضاً..
فبكى خادمه وقال وهو يحكُّ ظهره ليزيل ألم الجلدات عنه:
- أقسم لك أنها ماتت يا سيدي..
مد ابن حرون لحيته للإمام وقال:
- والبيضات الثلاث.. أنا أحفظ كل دجاجة من دجاجاتي الألف ظاهراً وباطناً.. وهذه الدجاجة بالذات تبيض في اليوم تسع بيضات ولم أجد منها اليوم إلا ستًا.. فأين ذهبت البيضات الثلاث؟
بكى الغلام وقال:
- ولكن يا سيدي ما أدراني فقد تكون قد باضت هكذا اليوم..
رفع ابن حرون يديه إلى السماء ودعا الله:
- اللهم إن كان هذا الغلام قد سرق بيضاتي الثلاث اللهم فأمسخه لدجاجة..
ثم همس في وجه الغلام:
- وأنت تعرف أن دعائي مستجاب..
قال الغلام تجاوزًا:
- أعرف يا سيدي أعرف..
ثم خرج ابن حرون إلى حانوته، وصاح في العامل:
- كيف نقصَت زجاجة السمن هكذا؟ هل شربت منها شيئاً؟
خاف العامل وقال:
- لا يا سيدي..كل ما في الأمر أنني منحت شربة لامرأة أرادت تجريب طعمه.
صاح ابن حرون:
- وهل كل من يريد الشراء تمنحه ملعقة؟ يكفيه أن يشم.. ولا تجعله يشم إلا إن بدت عليه علامات الجدية للشراء.. أما إن وجدته مهلهل الملابس رثها، فلا تعره التفاتاً..
هز العامل وجهه حتى ارتجف خداه. أما ابن حرون فجلس إلى مصرفه، ومضي يعيد التدقيق في حسابات الحانوت..
ثم رفع رأسه ورأى الشاه بندر قادمًا إليه فنهض هاشًّا باشًّا، ونفض الغبار عن كرسيه الذي يجلس عليه، وهيأه لمجلس الشاه بندر.
قال الشاه بندر وهو يجلس:
- لماذا تقف ولا تجلس يا شيخ ابن حرون؟
فقال ابن حرون:
- ليس في حانوتي كرسي آخر..
قال الشاه بندر:
- ولمَ لا تشري كرسياً للزبائن..
قال ابن حرون بقرف:
- إيييه يا سيدي.. وهل يستحق الزبائن إنفاق درهم غطريفي كامل من أجلهم..إنهم حثالة..
ضحك الشاه بندر فهو يعلم بخل ابن حرون، ثم قال:
- وكيف حال عروسك؟
فأجاب ابن حرون سؤالاً بسؤال:
- أي عروس يا سيدي؟
قال الشاه بندر:
- سمعت بأنك تزوجت قبل بضعة أشهر..
ضاقت عينا ابن حرون وقال:
- آه نعم..طلقتها.. إنها شابة جميلة ولكنها كانت مبذرة.. والحمد لله أنها لم تنجب كسابقاتها..
- ولكن من سيرث ثروتك هذه من بعد طول عمر إنشاء الله..
اتكأ ابن حرون على جنبه وقال وهو ينظر للأفق:
- والله يا سيد التجار إن هذا ما يؤرقني فعلاً.. فالزوجات الأربع لم ينجبن.. أقول لك والحق أقول بأنني لم أمنحهن ولم أمنح نفسي الوقت الكافي لذلك..
- ولماذا لم تفعل؟
أجاب ابن حرون:
- كل واحدة منهن وجدت فيها من العيوب اكثر من المزايا..فالأولى مثلاً كانت تقلي أربع بيضات رغم أنه ليس معنا أحد..أما الثانية فكان أخواتها يأتين إلى المنزل مع عيالهن فيقضون على الأخضر واليابس..والثالثة ففضلاً عن قبح منظرها كانت قبيحة الخُلق واللسان..وكدت أصبر عليها لأنها كانت رغم خباثتها شكلاً ومضموناً سيدة مدبرة..تصور أنها كانت تبقي على قنينة الزيت شهراً كاملاً ومع ذلك كنا ناكل يوميًا وجبة دسمة..
- وجبة واحدة..
- نعم ولكنها دسمة..ثم أنها فوق هذا كانت سيدة منتجة..فقد طردتِ الخادم وقامت بأمور المنزل بنفسها من كنس وطبخ وغسل ثم طردت العامل على حظائر الماشية وأقفاص الدجاج وكانت تقوم بعمله بدلاً منه..فوفرت لي الكثير من المال.. ولولا ذمامة خلقها ودمامة شكلها لتحملتها..
فضحك الشاه بندر وقال:
- ولكن يا سيد ابن حرون لا توجد امرأة كاملة في هذا العالم.. وكان عليك أن..
قطع ابن حرون حديثه وقال:
- لا لا لا.. فهناك ما لم أحدثك به عنها.. في الحقيقة كانت تبيع البيض ولكنها لا تورد كل المال إلي.. بل تقتطع منه لنفسها..فهي لصة لا تؤتمن..
- آه هذا هو الأمر إذاً..
وحين غادر الشاه بندر أمر ابن حرون غلامه فأغلق الحانوت، وغادر ابن حرون على حماره الأعرج إلى منزله، وهو يفكر في كيفية إقناع عامل الماشية والدجاج بأن يقبل إنقاص أجره بسبب سوء أوضاع التجارة في البلاد، وهو إذ ساهم في شغله انحرف حماره عن الطريق فجأة فسقط على سباطة وسقط عنه ابن حرون فيها كذلك وقد خلع الخوف قلبه. وحين نهض رأى أمامه رجلاً عارياً بلا عورة من أقبح ما يكون وجهاً، فاضطرب قلب ابن حرون وتلجلج لسانه حتى سمع صوت الرجل الغريب:
- إنني جني أنام في هذه السباطة فلِمَ لم تمنع حمارك عن السقوط على ظهري..
فقال ابن حرون:
- اقسم لك يا سيدي الجني بأن الحمار فعل ذلك عفواً دون قصد..
فضحك الجني وقال:
- وهل شققت عن قلب الحمار لتعرف إن كان ذلك عفواً أم عمداً؟
قال ابن حرون:
- بل أعرف ذلك لأنه حماري الذي أعرفه منذ ثلاث سنوات..
ملس الجني أقدام الحمار وقال:
- ولكني أراك تجيعه.. فأن الهزال أصابه..
قال ابن حرون:
- أقسم لك يا سيدي الجني بأنه يستهلك برسيماً يذهب بنصف ثروتي.. أقول الحق والحق أقول..
قال الجني:
- يا لك من رجل بخيل.. ولقد سمعت خبر بخلك من بقية الجن فلم أصدقه حتى رأيت كيف خارت قوى حمارك من الجوع فسقط على ظهري ولولا أننا نحن الجن قوم لا تتضرر أجسادهم بشدة من مثل تلك الحوادث لكنت ميتاً الآن.. وإني لذلك سأعاقبك عقاباً يشق عليك..
ارتجف جسد ابن حرون وقال:
- السماح السماح..
غير أن الجني قال:
- لا لا.. لا سماح.. سوف أقضي عليك بأنك لن تنجب من امرأة..
فقال ابن حرون:
- حسناً فعلت..فالنساء شوم..
ثم استدرك متسائلاً:
- ولكن كيف سألد من غير امرأة؟..
قال الجني:
- ستبيض يا ابن حرون..
قال ابن حرون بدهشة:
- أبيض؟!
فقال الجني:
- نعم.. ستبيض كل يوم بيضة ذهبية في الصباح.. فإن تركتها فقست لك ابناً فيعود قشرها لطبيعته قشراً عادياً ولن تبيض مرة أخرى..أما إن بعتها نلت مالاً وبقت البيضة ذهباً عند من يشتريها...
قال ابن حرون وقد لمعت عيناه من الطمع:
- تظل ذهباً؟
فقال الجني:
- نعم..
قال ابن حرون:
- وأستطيع بيعها؟
فهز الجني رأسه إيجاباً..
غادر ابن حرون سباطة الجني ثم بلغ منزله، وفي الفجر وبعد الصلاة أحس بالم عظيم في بطنه فأفرغ ما فيها فإذا ببيضة ذهبية حسنة المنظر تلمع تحت مؤخرته...فكر ابن حرون أن يجعلها تفقس له وليداً يرثه، غير أن طمعه جذبه نحو بيع البيضة وكنز ثمنها تحت يده وهو يهمس لنفسه:
- غداً أبيض بيضة أخرى وأتركها تفقس لي ولداً أما اليوم فلأبع هذي وإن غداً لناظره قريب..
ففعل ذلك، وفي فجر اليوم التالي حدث له ما حدث له بالأمس؛ فتجاذبته الرغبتان، رغبة في ترك البيضة تفقس له وريثاً ورغبة في بيع البيضة..فاتخذ ذات قرار الأمس وهو يقول:
- الولد يستطيع أن يصبر أما الذهب فلا..
ثم توالت على ابن حرون الأيام فالأشهر فالسنوات وهو لا يريد تضييع بيضة ذهبية واحدة من يده حتى مات، فآل كل ماله إلى بيت مال المسلمين، وضاعت ذكرى ابن حرون في تلافيف الزمن.

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى