منصف سلطاني - شارع بلدتي .

--كان الشارع مقفرا .سار وحيدا يستظل بشجيرات الرصيف من لفح الحر .لم ينته الشارع...بل ازداد طولا أكثر من ذي قبل، هو في الأصل لم يتعود السير فوق الرصيف ..لمح فاطمة تقطع الطريق ..في الاتجاه الآخر ..كان منبهرا بحيائها الغجري ..حاول أن يلحق بها ..غابت عنه في منعطف الشارع ..تطلع من الجهة الأخرى ..تزايدت دقات قلبه ..فكر في كل شيء ..في أن يتستر عن فعلته..ويداري هواه ..فقد يخسر كل شيء في لحظة واحدة..هو في الواقع متعود على مثل هذه المناورات..ومثل هذه الخسارات. خطر له ..ماذا لو كانتا كلاهما حبيبتيه..الأمر هذه المرة مختلف .لوّح بيده غير عابئ..الشعر يولد من ثنايا الخطيئة، وأنه على كسب الذنوب لجاهد..تذكر زوربا ..أطل على البحر ..هالته مسافات التيه ..تذكر أن اللقاء بزوربا كان هناك ..في تلك الموانئ ..وأعتقد أن الموانئ أكثر أمكنةالأرض ..معرفة بنبض الغرباء ..جلس في مقهى ..ناوله النادل قهوة تعود أن يحتسيها ..رفقتها ..كانت هي من يضع له السكر في قهوته الصباحية ..كم تعود أن تلفحه ..روائح الكونولياها الفاخرة..هي في الأصل بارعة في مثل هذه الأشياء ..كانت تحدثه أنها بعد يومين ..ستغادر المدينة ..وأنها ستشتاقه كثيرا ..كان هو في الأثناء يتملّى وجهها..الذي يزداد سحرا ..يتزود منه كما يتزود المسافر ..يرحل في جسدها شرقا وغربا ..يزداد حلمه ..جاءه نادل المقهى ..هل تحتاج خدمة ..قال ..لا..لا..البسطاء دائما كشياطين السماء ..كثيرا ما يفسدون عن المؤمن اطمئنانه..عجبا لشهية الكتابة لا تكون مطواعا إلا حينما مانكون على عجل ..تذكر أنه عليه أن يركب القطار ..القطارات هنا ..لا تنتظر ..الرحلة طويلة جدا وعليه أن يستعد لذلك بقراءة شيء ما..صعد عربة القطار
جلس قرب النافذة ..رغب في الكتابة ..خط على ورقة..كلاما ليس من الشعر ..كانت تتمنى لو قاله..في حظرتها.. دوت صفارات الوصول ..وأرست عربات القطار..فإذا المسافرون ...سيلا يقتحم المكان..نزل وحيدا..إلا من ذكريات ..لم تعد ممكنة ..سار بين الجموع بخطوات بطيئة ..يتملى الوجوه ..انخطف ..لروعة المكان ..لكن الناس هنا كأنهم في عراك هائل..لم يستطع أن يلفحهم ..بما في قلبه من حنين إلى كل من عبروا ولم يعد متاحا لهم اللقاء من جديد ..خطر له حينها أن الأحبة كاللظى في يديه، وأن هذه الوجوه سفر يضيعه..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى