عبد الجبار الحمدي - حب تحت المطر

تحركت مسرعة باولا نحو المدفئة حال دخولها شقتها لترمي بضع قطع خشبية فيها فقد قرص البرد اطرافها وحال صكصكة اسنانها الى عجزها ضم شفتيها ... اوقدتها وسحبت ذلك الكرسي اليتيم الذي رافق وحدتها طيلة انتقالها اليها ورثته كما هو في مكانه من سكن الشقة قبلها .... دب الدفئ في محيط منزلها الذي حوي اسكتشات لوجوه ترسمها في قارعة الطريق طلبا للرزق ... روما تلك العاصمة الازلية القديمة الحديثة كل مافيك أحبه ترددها دوما بصوت عال حال خروجها الى شرفة شقتها المطلة على شوارع ونهر تفيري ... وضعت اقلام تحملها مع أوراق برسومات لكثير من الاشياء خطتها اناملها بغفلة من وجوه بعضها باسم وبعضها حزين وبعضها غير مبالي لا للحزن ولا للفرح ... ثم أخرجت من بين كل رسماتها صورة لوجهه ذلك الذي وقف ساعات طوال ينظر طيورا تتسارع في الصعود لترمي بنفسها فوق الماء لتصطاد سمكة وصلت سطح النهر يمسك بيده كمان يعزف بعد ان تتجمع المارة والسياح فوق الجسر لتلتقط صورا من بعيد للفاتيكان وهو ممتد على افق الشارع الطويل يعكس ترانيما بدقاته ساعات غفران لمصلين والى جانب الجسر هذا القصر الكبير الذي كان يقطنه في زمن ما البابا .... يعزف للطيور التي يحس انها تتمايل صعودا ونزولا لنغمات تطايرت مع نسيم هب من شبابيك السماء مستقبلة امنيات العاشقين ... رامية بعبير عبق الحب الذي تسرب الى نفسها وهي ترسم تهزها نغمات اوتار نزلت من سلمها الموسيقي لتحيي جمالها الذي اذاب اوتاره حين يعزف كلاهما يحس بالاخر ولكن لم تتعارف سوى العيون وقد رسمت صورته بقلبها قبل الورق وعزفها هو لحنا في قلبه قبل الوتر ... في نفس اليوم كانت سعيدة جدا فرحة فقد اقترب منها ساعة لملمة وريقاتها وبعض لوحات معروضة لوجوه تاه اصحابها في حب روما وبقت هي دليلا على شغفهم بذكرياته ِ ... تشاو بيلا .. ايتها الفنانة انني ادعى ماركو فايلين ... هكذا يطلقون علي لأنني اعزف الكمان فسميت به لشدة تعلقي به .. عذرا احببت أن أقدم نفسي لك فنحن جاران على نفس الجسر منذ فترة ليست بالقصيرة .. ثم قال هل لي بمعرفة أسمك .. هربت حروف اسمها من بين شفاه مسرعة أنني باولا .. باولا فقط ليس لي كنية أدعى بها كما اسمك ...وابتسمت مع لمعان في عيون مبتسمة ... سعيد جدا بمعرفتك باولا .. باولا فقط .. اسمحي لي بمساعدتك .. واخذ يمد العون لها وحمل عنها عارضة اللوحات التي تحملها كعادتها ... سار معها الى نهاية الجسر ودلفت وهو معها لم يحسب للمسافة هما وتلاعبت نسمات النهر الباردة بأفواه ساخنة باعثة خيالات ضبابية ترسم ما يجيش في قلبيهما من احاسيس لبعضهما ... فجأة توقفت .. فقالت شكرا لك لقد وصلت ... عذرا وصلت الى اين ..قالت الى شقتي انني اسكن في الدور الثاني في هذا النزل القديم .. عفوا لم أقصد الاساءة من حديثي عن وصولك ... أخذت ما كان لها بين يديه التي رعشت وأنفاس حضنت بعضها راسمة غصة من فراق ... قالت أراك غدا سيد فايلين ... ما أجملها من كنية حين تنطقيها عذوبه ..أحمرت وجنتاها خجلا قبل شعورها ببرد الليل .. قال انتظر الغد بلهفة سيدتي الدافئة ... جلست ليلتها تلك تحدث وتمني نفسها بأحلام ... جاشت منتظرة الحب .. وهل يكون هو من تنتظره لقد تركت أحاسيسها مركونة خلف تلك الرسوم تعبر فيها عن وجه فارس أحلامها , رسمت المئات من الوجوه الجميلة منها وغير الجميلة الصغيرة منها والكبيرة ... حتى رسمت لنفسها وجها أخذت تقاطيعه من كل الوجوه التي رسمتها فكان .. ماركو ... هل هي صدفة او ان القدر قد استمع الى دقات قلبها ومللها من وحدة في برد قارص مع ليل طويل ورميها قطعا نقدية في نافورة الامنيات .. او من تجوال وترحال من جسر الى اخر ومن مكان الى غيره ... لعل السماء استمعت الى دعائي وأرسلته ليعزف لي ترانيم حب كما يعزفها هو ....

خرجت الى الشرفة لتتلمس من نسمات البرد بقايا نغمات سبحت في جوف الليل باحثة عنها بعد أحست أنه يعزف لها وهو هناك في مكانه ... وقالت أحب كل ما فيك روما بصوت عال والان أحبك اكثر لأن ماركو فيك ايضا قالتها بصوت خافت حين ذكرت إسمه وابتسمت مودِعةً لدى نجوم سماء روما امنيات معلقة على شبابيك عبير الحب عله يشعر بها حين تفتحها وعزفه للحب ... كانت صلاتها توسلا ترجمتها دموع تساقطت وقطرات مطر شتائية .. لم يسعفها الوقت الذي استغرقت بمناجاة السماء من لملمة عارضتها ورسمات مبتلة .. إمتدت أيدي لها بمساعدة مع عدم مبالاة منها .. لم تشعر بمن حولها تربيتة على كتفها قال صاحبها هيا أنهضي لقد أشتد المطر ولا أظنه سيأتي .. رفعت رأسها ودموع تاهت مع قطرات مطر متسارعة .. نعم ... نعم .. لم ترى محدثها فقد ضاعت في خيالات بعيدة لم تترك بقعتها على الجسرداعبت اطراف اصابعها جفون حزينة مسحتها .. تطلعت الى مكان وقوفه .. بالامس كان هناك يعزف ماركو .. عَبرةً وخيبة أمل سرت حرارتهما في جسدها.. لإرتعاش من ضياع أمل في حب بقي أخرسا إلا الامس فقد تكلم دون مقدمات شعرت به كما أنه أحس بها ساعة وقوفه على الجسر عازفا بكمانه لا لأحد .. بل لها وحدها كما قال لي بالامس طأطأت رأسها بعد ان بكت الغيوم لعدم استجابة دعائها أعياها الانتظار حتى خارقت قواها وأغمي عليها ... تجمع حولها المارة ,, حملوها حيث تسكن .. هناك وبعد إحساس بدفيء دثار فتحت عينيها لتنظر حولها .. ولكن أين أنا .. صرخت في نفسها .. ما هذا المكان إنها ليست شقتي .. أزالت الغطاء عن نفسها بحثت عن ملابسها المبتلة .. متسائلة من قام بتغيير ملابسها ... نادت على اصحاب المنزل .. ألا يوجد أحد هنا .. ولكن صمت يحمل صدى في فراغ .. إستغربت! خافت بحثت فوجدت ملابسها قرب المدفئة... بخفة إرتدتها متجهة بعجل ناحية الباب للخروج تاركة كل متعلقاتها الاخرى.. فتحت الباب .وإذا به واقفا يحمل كمانهِ وبعضا من قطع الخبز وطعام ... ذهلت .. تراجعت الى الخلف .. هذا أنت!!! دخل وأغلق الباب خلفه.. عذرا حبيبتي لقد ذهبت لشراء الطعام وقنينة نبيذ حين كنت نائمة تعبة لم أحب ان اوقظ ملاكي النائم.. كانت واجمة وخفقان قلبها يتسارع، تلاهث انفاسها الى وجهه تتسابق لثما بالقبل وهو يتحدث إليها يقص عليها ما حدث له.. إقترب منها أمسك بيديها هامسا... أعذريني حبيبتي باولا سأكمل لك القصة ونحن على العشاء ثم ضمها اليه بقوة أطفأ ناره ونارها بقبلة أذابت كل لحظات الانتظار تحت المطر.

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى