عبدالجبار الحمدي - الغنوصي.. قصة قصيرة

كان غنوصيا يمسك بتلابيب الاقدار كما المعرفة كأنه يُؤمِنَ لها السير في عالم الأرواح الميتة، غالبا ما يراه الناس يسير دون أن تلف أقدامه سف التراب كأن طيرا ما أو جنا يحمله يسابق الريح حيث المقابر التي يقضي جل وقته قابعا بين القبور يخاطب هذا ويحفر عند ذاك.. عرفته الناس بإمكانيته مخاواة الجن بعزم أخرس يمكنه أن يغير حظك ويجعلك من الذين يؤطرهم الرخاء والبحبوحة.. على باب داره يقف من زانه في بداية غوصة عالم الأرواح التي غطس في بحر متاهاتها فما عاد يمكنه الرجوع، لقد غلبته الجاهة التي يراها في عيون من يقع تحت يديه شارحا له أن رزقه قد توقف أو ان فلانا عمل له سحر ما .. أو إمرأة تشكو جارتها التي خطفت زوجها الى فراشها .. ذاع صيته حتى وصل الى رجالات الدولة الذين يلبسون من المحابس ما يجعل أيديهم تتهادل من ثقل حجرها طمعا في تسخير جن ودفع بآلية فسادهم في حجب عيون تراقب نهبهم وسرقاتهم... كان بارعا حد التشدق بأن يريهم شكل الجن الذي يخدمه عندما يلبي طلباته ويسهم في حلها.. سلك كما ابو زيد الكثير من المسالك إلا أن ليس كل سكة خالية من منغصات ... ساقت الأقدار على عتبة دارة شخص لم يره من قبل او يسمع عنه، ذاك ما علم به بعد ان طلب منه الآخر ان يكون اللقاء سريا دون ضجة او مجمع من الناس فهو لا يحب ولا يجب أن تراه الأعين إن ذلك يؤثر على هيبته وسلطانه... رضخ لطالب الحاجة بعد أن فرك يديه بشدة حتى فاحت عنها رائحة البخور والملح الذي كثيرا ما يستخدمها في طلب الجن... شمروخان صاحب الجبروت والسلطان طلبتك اليوم كي تعينني على كشف اسرار الزائر الجديد ها أنا أعطيك أسمه وأسم والدته فهات لي ما تعرف عنه بسرعة قبل ان يأتي فموعده شارف ...

كان شخصية غامضة هالة من الصمت عندما دخل دون أن يلاحظه أحد افترش الركن الأيمن من المكان دون ان يستاذن الغنوصي..

مرحبا سيدي الكريم لقد فاجأتني وهذا نادرا ما يحدث! فأنا من يفاجيء لكنك خطفت بريق اللحظة والمتعة التي أشعر بها عندما ارى علامات الخوف والغرابة في وجوه من ألتقيهم أول مرة لكن لا بأس.. واقعا استغرب جدا!!! أنك لا تحب ان يراك أحدا ممن يقومون على خدمتي فعالمي مليء بالجن والأرواح التي تتعامل مع أنواع مختلفة من المسميات لكنك الشخص الأول الذي من أجله منحت الجميع راحة حتى انتهاء العمل في طلبك... تفضل ما هي مشكلتك

دون مقدمات.. الرد صادما... أنت؟؟؟ إنك دفعت بالكثير ممن كنت احسب أنهم سيكونون في عهد وميثاق معي لكنك بأفعالك والفساد الذي منحتهم إياه أمد من أعمل عنده ان يرومهم مهلة وفسحة من عمل ليرى ما هي ردة أفعالهم بعد ان تجري بأيديهم الأموال سواء من حلال محرم او من حرام محلل..

الغنوصي: على مهلك سيدي ما انا إلا خادم لجميع العامة من الناس والمسئولين او من رجال الدين فقد أسهمت بعملي معهم، رفدتهم بالكثير مما يُسلك إمور دينهم ودنياهم فقد مالت بهم الاحوال غير أني رتبت لهم الوسائل من خلال جن يسير بهم حيث السفهاء من الناس والمغفلين فيصدقون بضاعة الدموع بيع شراء يسهم في الزكاة خمسا كان او سدس وهلم جرا.. إني رجل لا يمكن ان أرد طلب مسئول يريد ان يخلص من فلان من الناس وهو شوكة في خاصرته كما يطلق عليه.. فدوري مقتضب استخدم شمروخان خادمي الخاص فيأتيني بجن إنسي يعمد له بالمهمة وانتهى... إن العقول الفارغة التي اتعامل معها تسف براز الخفافيش على أنه طب أعشاب فغورهم في الوهم يساعدني يسهل مهمتي، لا أخفيك كثيرا ما سيقتهم البول سواء حيواني ام بشري وغالبا ما يتذوقون الروث الحيواني برحابة صدر لا بل يزيدون أنهم يتبخرون بدخانة كطارد للفقر، إن عالمي يعتمد على جهلهم فلا يَغُرَني أنه مسئول او وزير او سيخ او اي مسمى جميعهم يؤمنون بالجن والجن المسكين يعاني من شيطنتهم الانسية التي لا يسطيع ان يجاريهم او يضاهيهم بها.. في تلك اللحظة يأتي دوري للقيام بما يمكنني أن اقوم به رغبة في الكسب المادي الكبير لا أنكر ذلك هذا اولا وثانيا السيادة التي اتمتع بها.. فقد دلفنا مغارة لا مخرج منها إما لدغات عقارب او ثعابين مخبئة في بؤر نتنة لذا كان لزاما علي أن لا اتخذ من عالمهم البغيض سوى غبائهم وجهلهم الذي استفدت منه كثيرا... صدقني إن الفقير عندما يأتي لي في مساعدة ما أشير عليه ان لا يجرب هذه الأعمال لأنها لا تعطيه أكثر مما تأخذ منه... ربما أفلحت مع البعض تلك النصيحة التي اسديها للفقراء والسذج دون مقابل... لكن الكبار فلا أستطيع لأنهم لا يصدقون قولي لقد تهرقطوا خلقوا لأنفسهم عالم من الدجل الكبير فلا مناص عن الإتيان برب الفساد كي يغوص معهم في مستنقع الرذيلة او بحيرة النفاق فعلمهم يواءم رغباتهم ... اما البسطاء فتلك معضلة؟ كيف تفهمهم أنهم مغفلين وأن ما يجري هو أمر لا دخل لي فيه؟ فعالمي هو عالم أختلقته فكان لي كما تمنيت حيث أكون سببا في صناعة الأوهام والرغبات المحرمة، عالمنا اليوم عالم السرعة والمصادفة فيه نادرة .. أما مسألة الارواح والدين والجن فهي رائجة ما دام هناك جيوب تمزق وصدور تضرب ونعش مسجى تحيط به العناوين قرابين... إننا نسمو كي نكون حواريون او أولياء فجميعنا يؤمن بالخرافة والعالم السفلي، اما العالم الآخر فذاك مناله بعيد..

يكفيك حديثا... لقد وصلت العالم الآخر ذاك هو الذي جئتك منه لقد أسرفت في الفعل وحانت لك اللحظة ان تغلق كل ملفاتك، عليك ان تأتي معي دون جلبة أو ضجة..

الغنوصي: ماذا تقصد؟!! إن عالمي كبير ولا تستطيع ان تزحزحني عن مكاني هذا، فأنا سأسخطك واسلط عليك ملك الجن ينتزع قلبك من صدرك.. لكن توقف من تكون؟

فحتى شمروخان خادمي لم يأتي بأي شيء عنك ولا اي معلومة!!! لعلك جن من عالم آخر لا علم لي به.. ربما لو تشاركنا سنعمل بشكل نسيطر فيه على عالم الجهل الذي يسوقه القدر إلينا ما رأيك؟؟

لا عليك يا غنوصي تعال معي وسنرى إقتراحك، هل يمكن الأخذ به ام أن يلغي عرضك وجودك؟ غير أني منذ اللحظة اقول لك ستكون في عالمك الموحش حيث صاحبك شمروخان الذي يحاكي لحظاته قبلك.. هيا اتبعني دون ان تعلق أو تبدي الرأي والسؤال..

سارت روحه خلف الزائر وبقي الجسد حيث البخور ورائحة البراز الذي أعلن نهاية الجن لبداية الخفافيش ومصاصي الدماء بعناوين كبيرة حتى حين.

القاص والكاتب

عبد الجبارالحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى