عبد الجبار الحمدي - عشرة أيام من السجن

تحسست قفاي الملتهب وأنا أُضرَب من صاحب صوت أجش يقول: أدخل يا ابن الزنا أحسبت أن تظاهرك يعطيك الحق بأن تتذمر من حالك وانت تعيش في وطن اسلامي... حقا إنكم ناكرين للمعروف يا كلاب؟!!

حرارة قفاي أشغلتني عن الرد، حسبتني مُغطى بدستور يعطيني الحق بالتعبير عن رأيي لكن يبدو انه حِبر على ورق، فهذا الحيوان النتن المتدني تربية يكيل لي الضرب كأنه ليس من نفس رقعة الارض التي اعيش عليها أو لكأنه ليس مواطنا مثلي بل شخص يوالي أرباب السلطة وهو بزيه الرسمي... كانت الركلة بعد تلك الهالة من الصفعات جديرة بإخراسِ وعدم التذمر..

جائني صوت من داخل الزنزانة... لا تهتم لما يقول إنه مدرب مثل الكلاب على النهش فالسلطة تحب أمثال هذا الحثالة... كان ذلك اليوم الاول لي في السجن، تهمتي كما ظننتها المطالبة بحقي كمواطن، أما التهمة الموجهة لي من السلطة البلبلة والتحريض على قلب نظام الحكم... قلت في نفسي سأتعفن لاشك!! سيخرج الدود من كل مساماتِ ومخارجي فالعالم السفلي هذا لابد قاتلي...

في نفس مساء اليوم وبعد ان تعرفت على من شاركني جدار الاحلام الميتة علمت انه متهم بشتم وسب صنم من اصنام السلطة فحاكوها عليه وهاهو قابع منذ سنين في هذا المكان دون ان يرى بصيص محاكمة عادلة أو أمل في اللقاء بأي احد من عائلته او معارفة.... قال لي اتمنى أن لا يكون مصيرك مثلي فقد قال لي ذاك الحيوان الذي استقبلك أني سأخرج بعد عشرة ايام وها انا أعد في كل يوم جديد احسبه اليوم الاول من التسعة ايام الباقية.. فُتِحَ باب الزنزانة وإذا بنفس الوجه الذي استقبلني وقد صرخ علي قائلا: هيا يا أبن الكلب السيد المحقق يطلبك.. ماذا عساي أن اجيبه؟ وقفت قبالته فلم اشاهد اللطمة التي دوت على وجهي لكنها لذعت النصف الأيمن منه فشعرت بالدوار... امسكني من ياقتي يدفع بي الى الخارج، كان يرافقه سجان آخر يفتح ويغلق الباب له، الغرفة التي أُدخلت إليها شبه مظلمة، شخص لم اتبين ملامحه سارعني الحديث، اسمع ولك أنا ما عندي وقت أضيعه وياك وقع على اعترافك على الجريمة حتى نخلص افتهمت؟

أي اعتراف يقصد! وعن اي جريمة يتحدث يا للغرابة!! فرددت عفوا سيدي يبدو أنكم تشتبهون بشخص آخر فأنا لم افعل اي جريمة توجب اعترافي فكل ما فعلته خرجت أطالب بحق لي كمواطن بعد ان سقط الصنم الجاثي على حياتنا... تسارعت الايام واستبشرنا خيرا لكن السنون هرمت فصارت تطلق الريح ولم تعد تسيطر على استها، انتفخت بطوننا بالوعود والترهات والخطابات الاسلامية، الوطن سيتغير، المواطن هو صاحب الحق، سنعمل على بناء البنى التحتية وحمايته، سنقضي على الفساد، اتخمنا حتى صار ما نسمعه كالمثل الذي اعتذر بقوله... ( ضراط اللي ما ينفه ) أظنني قلتها كاملة لأني بعدها كنت مرميا على الأرض تتلقفني العصي والركلات من كل حدب وصوب، كدت افقد الوعي بل أني فقدته غير ان رشقة من دلو ماء وَسِخ، علمت بعدها انه بول وغائط جعلني استعيد وعي من بشاعة الرائحة والقاذورات، حاولت ان امسح وجهي بأطراف قميصي لكنه كان قد تلطخ بالنجاسة فصحت سيدي اقسم لك بأني لم افعل شيئا... لم يجبني كنت بعدها تلقيت ضربة على مؤخرة رأسي أفقدتني الوعي تماما.... لا اعلم كَم من الوقت كنت فاقدا وعيي فيها؟ فتحت عيناي على وجه غير ذلك الوجه وهو يتف علي ويصرخ.. قم يا كلب لقد قضيت ايامك نوما حسبته فندق ابوك ابو الخمسة نجوم... لم اعي كل ما قاله لكني سالته كم الساعة الأن وفي اي يوم من الاسبوع.... دوت ضحكته مثل عاهرة تلقت ضربة على مؤخرتها جزاء مضاجعتها... فصرخ لقد كنت غائبا عن الوعي منذ يومين... هيا خذ اشرب هذا الماء وكل هذه الخبزة مع السوب حتى تعرف كم رحيمة هي الدولة تسقي وتطعم حتى الذين يريدون تخريبها وزرع الفتنة وضياع الامان فيها دواعش... كانت كلماته اشد وجعا من كل الضرب الذي اكلته.. هل فعلا يعني ما يقول!!؟ بأني أنا من يريد زعزعة الامن وزرع الفتنة والتخريب... قلت هيه انتظر عما تتحدث!!! اي تخريب؟ واي زرع فتنة؟ إني خرجت متظاهرا طالبا حقي وحق الشباب الذي لم ينالوا استحقاقهم الآدمي لا في التعين ولا الثروات الكبيرة ولا حتى الخدمات الانسانية كلها... فسمعته يقول: أنتم كلكم تريدون خراب الوطن ونهب خيراته بمظاهراتكم التي تزعزع الامن همج رعاع خرجتم تتطالبون بالتخريب مثل الدواعش، كنت قد فقدت السيطرة على اعصابي فأمسكت به صارخا اخرس يا أبن الكلب انت وسلطتك العفنة هي من جاءت بالفتنة والطائفية هي من جاءت بالخراب وتلك الفئات التي لبست قناع الدين.. سحقتم طموحاتنا وشبابنا، سرقتم احلامنا، جعلتم نساء هذا الوطن سبايا ورقيق... لم اكمل بعدها كان الضربة التي اوقعتني على الأرض قد ارغمتي على ان اصمت، لم اتيقن لكني احسست بحرارة الدم الذي كان يخرج عن رأسي حين التصق على خدي بعدها غبت عن الوعي مرة أخرى...

مرت الايام الثمانية كما علمت وانا غائب عن الوعي دون علمي اين أنا؟! لكني بعد ان فتحت عيناي وجدت شخصا يرتدي صدرية بيضاء أظنه طبيبا او ممرضا لحظتها شعرت بأني وصلت بر الامان فهذا يعني ان هناك من توصل إلي وقدم يد المساعدة من اهلي او اصدقائي... سرعان ما تفتت هذا الامل بعد ان ظهر عليّ وجه ذلك السجان وهو يقول: هيا قم يا كلب يا بن الكلب هل ظننت انك ستموت بسهولة وبكيفك؟ أحنا نأذن لك... إذا تريد تموت او تعيش يلا فوت، طار السنونو الذي حلمت به يبتعد خارجا من الشباك الملاصق بجدار السقف من الزنزانة التي قبعت فيها... حل محله بوم يرتوي طربا بين قبور الموتى الابرياء... كان ذلك اليوم التاسع ليلا حيث وقفت امام المحقق وقد امسك بيده المسدس يحركه يمنة ويسره قائلا: تتهمنا بأننا المخربين وطائفيين الظاهر إنك مندس وطرف ثالث مهتمك التخريب وصناعة الدسائس... هذا انت اعترفت على نفسك بعد ان تهجمت على احد افراد السلطة ثم اعتديت عليه وعقاب هذا الفعل الموت...

سيدي الله يخليك هاي صار اكثر من اسبوع وانا لحد الآن ما أعرف ليش تتهموني بأشياء ما سويته خلوني اتصل بأهلي ارجوك اريد اشوف اي واحد منهم حتى يعرف إني عايش مو ميت.. وهم بعد تعرفون الحقيقة

المحقق: اسكت لا تتكلم إلا لما اسمحلك... يبدو ان حالتك بعدها لم تتحسن ومحتاج الى عشاء دسم يخليك تتعافى بسرعة... سرعات ما انطلقت الغربان التي حولي ظهرت من زوايا مظلمة تتسابق على ضربي أظنها كانت الدعوة الاخيرة والعشاء الاخير... فبعد ان مر الوقت كنت اقف فوقهم أنظر إليهم وهم يكيلون لي الضرب بشراسة كأني اغتصبت نسائهم او اني لطت بأحد من ابنائهم أو نكحت أحدهم... المحقق يضحك بقهقه دوى صداها فراق لذيول السلطة، شاركوه وهم مستغربين حالته وحالهم!! الاغرب!!! من ذلك أني لم اشعر بالركل او الضرب او حتى اصرخ رغم الدماء المنسابة من انفي وفمي ورأسي.... إلى أن قال ذلك الوجه الحقير سيدي لقد مات... كان ذلك فَجر اليوم العاشر من تلك الايام العشرة التي رُمِيت بعدها فوق مزبلة في اطراف المدينة منتظرا أن يجدوا جثتي قبل ان تأكلها الكلاب السائبة بعد ان أكلتها كلاب السلطة.




القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى