مجدي حشمت سعيد - لتعرفي كم أحبها وأحبك

ليل الشتاء وظلام دامس أحسته ( سامية ) يفيض من أعماقها ليغرق الوجود فيه. عيونها السوداء الواسعة – وكأنها تشف ما في أعماقها من ظلمة – تحملق باحثة لاتمل عن شئ ما يطويه الظلام. تضم بين كفيها بحنان بالغ رسالة كثيراً ما قرأتها... تحتضنها إلى صدرها، تجتلب الظلام ذكريات عزيزة عليها اندمجت فيه فجعلته أكثر إظلاماً، ترتعش اطرافها وينتفض كل جسدها عندما تتراءى لها صورة منزلهم – حين رجعت إليه في ذلك اليوم المشئوم إثر غارة من غارات العدو الهمجية – وقد توسد الأرض بمن فيه بعد أن تنافرت أجزاؤه وتناثرت أشلاء سكانه. ويومها فقدت إحساسها بالوجود بفقد أعز الناس.
قطع حبل أفكارها صوت رعد إثر برق حاول أن يبدد ظلام الليل ولو لطرفة عين ولكن أنَّى له من الوصول ليبدد ظلام أعماقها. وسريعاً ألح عليها شريط الذكريات فراحت تجتره تشاركها عضلات وجهها إنفعالاً، وعيونها السوداء باحثة دوماًعن ذلك الشئ الذائب في الظلام ( ماجد ) .. لاتذكر أين أو متى التقت به للمرة الاولى... فقط ضبطته ولعديد من المرات يثبت عينيه على وجهها... على عينيها...ولم تبال . قابلته كثيراً في ندوات سياسية من أجل المعركة...رأته في تدريبات الدفاع المدني... في حملات التبرع بالدم... كان هناك مكانه الدائم ودائماً عيناه مثبتتان على وجهها تريدا ان تقولا أشياء كثيرة... وهي لاتبالى .كانت مأساتها كبيرة ترى من خلالها كل ما حولها ...امتلأ بها قلبها ...احتكرت كل عواطفها وكل فكرها... تجسدت كل آمالها وآمال شبابها وحياتها من أجل الثأر.. من أجل المعركة ... من اجل النصر .
حقاً تتذكر جيداً ذلك اليوم حين لمست فيه ملامحه بعينيها وعن قرب لما جاء إليها بعد إلقائها كلمة باسم المهجرين في إحدى الندوات السياسية وصدره ينتفض مع كلماته :
- أنتِ... أنتِ رائعة يا آنسة سامية...-
- - شكراً...على أيه؟
- - من أين هذا كله؟ ... تتحدثين وكأنك ثورية عظيمة...
- أأأأأه... أنا لا أشعر بنفسي حين أتكلم لكن المأساة بداخلي هي التي تتكلم.
يومها حدق في عينيها أكثر وأكثروكأنه اكتشف صورة ماساتها مرسومة فيهما... وعن قرب رات ملامحه...عينيه الضيقتين العميقتين تنطقان ذكاءً... بشرته السمراء وكأنها اكتسبت لونها من تربة مصر... من نيلها... من شمسها، أحست من صوته ونظراته بأشياء كثيرة. وللمرة الاولى بعد زمن طال شعرت بدقات قلبها بعد رقاد طويل. أخافتها تلك الدقات....فالتجأت إلي صورة المأساة في مخيلتها لتقيها ما وراء تلك النبضات

أبريل عام 1973


* نشرت بمجلة صوت المدينة (جامعة أسيوط)




مجدي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى