أ. د. عادل الأسطة - إلياس خوري ويورام كانيوك: تناسل النصوص وتناص التناص …

يكتب آدم، وهو كما ذهبت، المؤلف الضمني لرواية «أولاد الغيتو» أنه قرر أن يكتب حكاية المكان الذي ولد فيه، وهو اللد، وحكايته هي حقيقية مائة بالمائة، وهي تستند إلى ما روته أمّه له، مراراً وتكراراً، لدرجة أنه، لكثرة رواية أمّه لتلك الحكايات التي حدثت عام ولادته ـ أي 1948 ـ أخذ يشعر بأنه لم يستمع إلى تلك الحكايات بأذنيه، بل عاشها وشاهدها.
بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، لدرجة أنه أخذ يرى أن ذاكرته هي التي تتذكر، لا ذاكرة أمّه.
وبالإضافة إلى ذاكرة أمّه، استعان آدم «بمجموعة من الكتب والشهادات، من بينها كتابات إسبر منير عن اللد ومذكرات رجائي بصيلة، ودراسة ميخائيل بالومبو عن طرد الفلسطينيين، ورواية ايتيل مانين «الطريق إلى بئر السبع» ودراسات وكتب لا تحصى عن فلسطين عثرت عليها في مكتبة جامعة نيويورك… إلخ» (ص189).
وإذا ما أحصينا الكتب والروايات التي ذكرها آدم في متن نصّه عددنا عشرات فقط من الكتب. هذا يعني أن هناك عشرات أخرى لم يرد ذكرها مباشرة، ولكنها كتبٌ كان لها حضور وتأثير في حكاية آدم التي يرويها ويريد أن يكتبها، الحكاية التي هي رواية إلياس خوري «أولاد الغيتو، اسمي آدم».
والسؤال الذي أودّ إثارته هنا هو: هل كانت بعض أعمال الروائي الإسرائيلي (يورام كانيوك) من تلك الكتب؟
ذكر آدم/ إلياس أسماء روائيين إسرائيليين وأسماء روايات إسرائيلية، لكن قارئ الأدب العبري، أو قارئ الدراسات التي أُنجزت عنه سرعان ما يتذكر روائيين آخرين وروايات أخرى، قد يكون لها حضور في «أولاد الغيتو».
من الروائيين الإسرائيليين الذين يخطرون على بال قارئ الأدب العبري (يورام كانيوك)، ومن رواياته (عربي جيد) وكتابه «1948». صدر الأول بالعبرية في 1985، وبالإنجليزية في 1988، وصدرت الترجمة العربية للثاني في 2011، وهو أغلب الظنّ صدر بالعبرية في بدايات هذا القرن، ولا أعرف إن صدر بالإنجليزية.
كان لرواية (عربي طيّب) حضور لافت في الأدب العربي، وقد أتى عليها الشاعر سميح القاسم في إحدى رسائله إلى محمود درويش (رسالة أخطاء وخطايا، 27/9/1986) (الرسائل، ص98)، وكتب عنها درويش بالتفصيل في رسالته «هو.. أو هو» التي ردّ فيها على رسالة سميح (رسائل، ص100).
وفي هاتين الرسالتين يأخذ المرء فكرة عن رواية (كانيوك)، فكرة لا بأس بها. (وليس هناك من شك في أن إلياس قارئ جيد لدرويش).
وأعتقد أن رواية (كانيوك) هذه كان لها حضور في رواية أنطون شمّاس (عربسك) التي صدرت بالعبرية في 1986 وسرعان ما ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية ـ تقريباً بعد عامين من صدور رواية (كانيوك) ـ . وفي رواية شمّاس حضور لشخصية روائية إسرائيلية نحلم بأن يحلم كاتب عربي، حين يكتب عن اليهود، يا ليهود كما يحلم الكاتب اليهودي، حين يكتب عن العرب، يالعرب.
الشخصية المحورية في رواية (كانيوك) هي من أبّ عربي وأمّ يهودية، وتذهب لتقيم في باريس، لأن العرب ينظرون إليها على أنها ابنة يهودية، واليهود ينظرون إليها على أنه ابن عربي، ويرفضون أن يخدم في الجيش الإسرائيلي. (تراجع رسالة محمود درويش «هو.. أو هو» ص100 من كتاب الرسائل).
وممّن أتوا على رواية (كانيوك) في الأدبيات العربية علي بدر في «مصابيح أورشليم»، وقد ذكرها في مكانين أو ثلاثة (ص159، 166، ص241)، تماماً كما أتى بدر على رواية شمّاس.
لا أذكر أن إلياس ذكر بصراحة اسم (كانيوك)، لكنه أتى على شمّاس وأبدى إعجابه الشديد بروايته، بل إنه خصّ شمّاس بالذكر في الإهداء «إلى جاد ثابت وأنطون شمّاس».
وإذا كان شمّاس دخل بحالة تناصّ، مباشرة أو غير مباشرة، مع «عربي طيّب»، فإن رواية خوري تكون تناصت مع رواية (كانيوك) من خلال رواية شمّاس.
يتوزّع بطل (عربي طيّب) على عالمين، عالم العرب واليهود.
إنه عربي من جهة الأبّ ويهودي من جهة الأمّ، ويعاني من الاغتراب.
آدم في رواية خوري يتخيل نفسه يهودياً عاش الهولوكست وقدم إلى فلسطين من أوروبا فترة المذبحة هناك. إنه يوزع نفسه على عالمين أيضاً. أين يكمن العربي فيه، وأين يكمن اليهودي الإسرائيلي فيه؟
في «1948» يأتي (كانيوك) على اللد وما ألمّ بها في عام النكبة، بل ويأتي على الرملة، وما ألمّ بالمدينتين من دمار وتخريب وإحلال يهود قادمين من أوروبا محل السكان الفلسطينيين، ومن سلب ونهب، ويذكر المشهد بالمشهد في «أولاد الغيتو».
لكأنك، وأنت تقرأ الصفحات الأخيرة من رواية إلياس ورواية (كانيوك)، تقرأ رواية واحدة، فهل كانت رواية الأخير من قراءات الأول؟؟!!
الايام

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى