أ. د. عادل الأسطة - إلياس خوري و(ا.ب.يهوشع): "أولاد الغيتو" و"العاشق"

صدر مؤخراً الجزء الثاني من رواية الكاتب اللبناني إلياس خوري «أولاد الغيتو 2: نجمة البحر» عن دار الآداب في بيروت، وصدر الجزء الأول وعنوانه «أولاد الغيتو: اسمي آدم» في 2016 واستقبل في فلسطين استقبالاً لافتاً.
يحظى إلياس خوري بتلقٍ نقدي لافت؛ قراءة وكتابة ومناقشة، ويترجم إلى لغات أخرى ويحتفى بنصوصه، وأظن أن قسماً مما كتب ترجم إلى العبرية، وذلك لأن ما يكتبه يندرج تحت موضوع «الصراع العربي - الإسرائيلي في الأدب».
والإسرائيليون، كما نحن، يهتمون بهذا الموضوع اهتماماً لافتاً، وكتاب شمعون بلاص «الأدب العربي في ظل الحرب» مثال واضح، عدا أن أعمال إلياس منذ «مملكة الغرباء» 1993 تحفل بشخصيات يهودية، وقد لفت هذا نظري فخصصت الرواية ورواية «باب الشمس» 1998 بدراسة عن صورة اليهود فيهما.
وقد اختار الكاتب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي موضوعاً لروايته «أولاد الغيتو» بجزأيها، وهو ما يتضح من العنوان.
في القراءة البدئية للعنوان يذهب المرء إلى أن الكاتب يكتب عن غيتوات اليهود في أوروبا، وحين يفرغ من قراءة الرواية يعرف أنه يكتب عن غيتو اللد في العام 1948، وكان راشد حسين كتب في 1966 قصيدة عنوانها «يافا والغيتو» وأتى فيها على الغيتو الفلسطيني الذي أقامه الصهيونيون في يافا يوم أسسوا دولتهم، وغيتو يافا واحد من غيتوات أخرى مثل غيتو اللد وغيتو حيفا.
وحين يفرغ المرء من قراءة «نجمة البحر» يعدل قليلاً فيما توصل إليه بعد قراءة الجزء الأول، ويكتشف أن الكتابة تتمحور حول الغيتوين؛ اليهودي والفلسطيني، وما فعله أبناء الغيتو الأول بالفلسطينيين.
في «نجمة البحر «يكرر الكاتب ما أورده في الجزء الأول عن مكونات روايته:
«وفي النهاية، فإن هذه الرواية لم تكن ممكنة لولا قراءاتي لأعمال فاطمة قاسم ونادرة شلهوب - كيفوركيان ورجائي بصيلة ووليد الخالدي وهليل كوهين وأمنون راز كاركوتزكين وإيلان بابيه، ونصوص من الأدبين الفلسطيني والإسرائيلي» (475) ولكي يقنع الكاتب القارئ باكتناز روايته بنماذج من الآداب العالمية ومنها العبرية يختار شخصية تدرس الأدبين العربي والعبري وتقرأ الأدب العالمي من شبابه المبكر.
وكنت في كتابي «أسئلة الرواية العربية: أولاد الغيتو: اسمي آدم إلياس خوري نموذجاً «(دار الآداب/ بيروت 2018) توقفت أمام التناص في الرواية مع الآداب الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والعالمية، وهو ما يمكن متابعته هنا أيضاً.
سوف أتوقف أمام رواية الكاتب الإسرائيلي (ا.ب.يهوشع) «العاشق» التي نقلها إلى العربية محمد حمزة غنايم في 1984 باعتبارها مكونا من مكونات رواية إلياس.
في رواية (ا.ب.يهوشع) «العاشق» نقرأ عن عمال عرب يعملون في الكراج الذي يملكه اليهودي آدم ويشتغل فيه عمال عرب من قرى الجليل.
تنشأ علاقة بين أحد العمال واسمه نعيم وبين دافي ابنة آدم، وتتطور إلى علاقة حب يؤدي إلى ممارسة الجنس، فيخاف نعيم من آدم ويقرر ترك العمل.
كان آدم وثق بنعيم فأعطاه مفتاح بيته لينقل إليه الأغراض التي اشتراها، ويحدث أن ينسخ نعيم المفتاح ليذهب إلى بيت آدم في غيابه، فيخون بذلك ثقته.
آدم نفسه الذي يبحث عن عشيق لزوجته آسيا، لعل العاشق يصلح العلاقة بينهما، آدم يقيم علاقة مع طالي زميلة ابنته دافي في المدرسة ويمارس معها الجنس، فقد كانت علاقته بزوجته معطوبة.
يحب آدم العمال العرب ويعطيهم حقوقهم، مع أن قسما منهم يرفض أن يعمل أية ساعة عملاً إضافياً، ويثق فيهم ويسلمهم الكراج معتمدا عليهم، فأيديهم تجلب له الذهب.
كل ما قرأناه في رواية «العاشق «نقرؤه في رواية «أولاد الغيتو «في جزأيها مع تغييرات وإضافات طبعا.
في رواية إلياس يقيم الفلسطيني آدم علاقة مع رفقة ابنة غابريال صاحب الكراج، وتكون علاقة غابريال بزوجته تالي سيئة جدا ومعطوبة أيضا، فلا يشعر معها في الفراش بدفء، ولا يتردد في إقامة علاقة جنسية مع سارة صديقة ابنته، فتحمل منه، وتكتشف زوجته الأمر.
يعرف غابريال من سارة عن العلاقة بين آدم ورفقة فيقرر الانتقام من آدم، ويكتفي في النهاية بطرده من الشقة التي وفرها له في مدينة حيفا، وهي شقة مهجورة تعود لفلسطينيين هجروا من المدينة في 1948 وظلت صورهم على الجدران تزين البيت الذي ينتظر عودة أصحابه.
توفير غابريال شقة لآدم في رواية «أولاد الغيتو» يذكرنا ببحث آدم صاحب الكراج في «العاشق» عن سكن لنعيم، حيث يعثر له عليه في بيت عجوز يهودية هي (فيدوتشا) تقيم وحيدة وتنظر إلى العرب على أنهم لا يعرفون النظافة.
يرفض ممدوح المسؤول عن العمال العرب في رواية إلياس عمل أية ساعة إضافية خوفا من أن يتأخر وبقية العمال من العودة إلى قراهم فيسجنهم الإسرائيليون لمخالفة الأوامر العسكرية.
الشيء نفسه نقرؤه أيضا عن العامل العربي حميد في «عاشق» (يهوشع):
«يعمل بلا كلل، لا راديو بقربه، بلا كلام تافه ونكات مع بقية العمال، لا يمزح مع الزبائن. ينهي أكله قبل بقية العمال، إلا أنه في اللحظة التي ينتهي فيها العمل يتوقف في الحال، لم يكن على استعداد لاشتغال ساعات إضافية أبدا، يغسل يديه، يأخذ كيس البلاستيك الفارغ، وينصرف».
إن الكتابة عن الكراج والعمال العرب القادمين من قرية جليلية وإتقانهم عملهم وعلاقتهم بصاحب الكراج وثقته بعامل منهم وخيانة العامل الثقة، بإقامته علاقة حب مع ابنته وغضب صاحب الكراج منه، يكاد يتشابه كثيراً في الروايتين. وربما يذهب المرء إلى ما هو أبعد من ذلك بخصوص تصور الطرفين لبعضهما البعض، مع اختلاف طبعا.
في رواية إلياس حين يعلم غابريال أن آدم أقام علاقة مع رفقة تبدو ردود أفعاله شرقية تماما.
في الفصل الذي عنوانه «عشاق حيفا» يقص الراوي، وهو آدم نفسه، بضمير الغائب عن تجربته في حيفا يوم كان في السادسة عشرة من العمر وكانت رفقة تصغره بعام، ويأتي على رد فعل غابريال حين علم بالعلاقة من سارة التي مارس هو معها الجنس، علما بأنها - كما ذكرت - زميلة ابنته في المدرسة.
«اترك المكان فوراً، فالرجل أصيب بما يشبه الجنون «يقول ممدوح لآدم، حين يذهب إليه بناء على طلب من معلمه. ويصرخ غابريال في وجه ابنته: «هل صحيح أنك تضاجعين هذا العربي الوسخ؟».
ويصف ممدوح لآدم حال غبريال حين علم بالعلاقة: «الخواجة منجن منك، وصل ع الكراج الساعة ستة، وقعد يدور عليك ويشتم. سألني وين العكروت، عرفت إنو بيحكي عنك. «ما جاش قلت، قال: «بدي أقتل هالكلب. وصار يسب علينا كلنا، ويقول العرب جنس وسخ. أمسكته ودخلت معاه غرفة إفرايم، وحاولت أفهم، وفهمت. ليش عملت هيك ؟»، علما بأن غبريال حين تعرف إلى آدم اتخذه شقيقا وقال له إنه يحب العرب.
بقي أن أشير إلى الاختلاف في القص.
يلجأ (ا.ب.يهوشع) إلى أسلوب وجهات النظر، فيترك شخوصه يقصون، ولم يحرم الشخصية العربية من التعبير عن نفسها، فهو لم يقصها ولم ينطق باسمها أو نيابة عنها، ولم يجعلها خرساء كما في نماذج عديدة من الأدب العبري، وقد التفت إلياس خوري إلى قطع لسان العربي وإخراسه في الأدب العبري - وهو ما بدا في رواية (يهوشع) «أمام الغابات» - وهو يكتب عن رباح عبد العزيز حارس الحديقة، وفي «أمام الغابات» يكون حارسها طالبا يهوديا فيما يكون العربي يتجول فيها وهو مقطوع اللسان أخرس - وهذا جانب آخر لإجراء مقارنة بين الكاتبين، و»أمام الغابات» مترجمة إلى العربية أيضا.
إلياس خوري ينطق شخصياته اليهودية من خلال الحوار الخارجي أو إعادة كلامها على لسان السارد «قال ياكوب»، فلا تعدد في الساردين، كما هو لدى (يهوشع). إنهم يقصون ولكن عبر الحوار مع آدم أو بحضوره.
ولا أعرف إن كان (يهوشع) لجأ إلى توظيف اللهجات في روايته، فالترجمة العربية اعتمدت الفصيحة، أما إلياس فقد وظف اللهجة الفلسطينية بشكل كبير، حين أنطق الفلسطينيين، ولكنه اعتمد العربية الفصيحة وهو ينقل كلام الشخصيات اليهودية حتى من كان منها من أصول عراقية.


عادل الأسطة
2019-02-10




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى