أحمد حيدري - كرسي آخر الفصول

جالسه علي ذلك الكرسي الذي تآكل طلاءه ، الاشجار المحيطه بذلك الكرسي استغنت عنها اوراقها ، خيوط الشمس تهمس بين حين واخر للثلج المتراكم فوق الاغصان، يذوب وينزلق ليبدا رحله جديده.

علي الحشائش يتجمع الثلج مهما كانت همسات الشمس دافئه فلن تؤثر فيه.

تنظر الي ساعتها الفضيه، نظرات اللازمن والزمن اللامتناهي، تسقط الاعداد ونبض الساعه يموت، والعقل لايفقه معني الوقت.
الغيوم الكثيفه تنذر بما تحمله، والكرسي الخشبي لا يمل ضيوفه، لا يمل المنتظرين، لا يمل اللاعبين، القافزين عليه ومنه، الاطفال تلك الكائنات التي تخطت بتكوينها سماء الملائكه ، مهما فعلوا فهو يضحك لتلك الضربات، لتلك الغفوات ، والعاشقون يحفظوا اسمائهم، من اراد شاهداً علي حبه فليأتي هذا الكرسي الخشبي الذي سقط طلائه ، هذا الكرسي المعزول في تلك الحديقه، كان يسمع الكلمات الذائبه، يلمس تلك الكلمات التي اتته من اماكن قصيه ، لغات مختلفه تأتي لترقد علي الخشب القديم ، استوعب لغات كثيره ، يتذكر الكرسي الخشبي تلك الفتاه الشقراء ذات العينين الخجولتين ، ووجهها الخالي من اي زينه ، ولو علمت كما علم الكرسي الخشبي لابقت وجهها خاليا دائما الا من جماله المتجدد مع دورات الدم العاشق ، لوجهها رقه وعذوبه الزهره الحمراء ، لوجهها نسمات الصيف الهاربه من قمم جبال ثلجيه ، دخلت الحديقه ، الحديقه بلا اسوار او جدران وقفت امام الكرسي ولم تجلس ، اربع خطوات الي الامام ،اربع خطوات الي الخلف ، لاتبتعد عن الكرسي الخشبي ، جلست بعد ان ضاعت الخطوات في زمن ينحصر بين شمس وقمر ، تنظر الي الجهات الاربع تنزل راسها ، ينادي عليها ذلك الصوت الذي انتظرته .تقف .هي تقول وهو يقول ، لغه فارسيه رمشاء ،الحب يعطي للغه جمالها ، يرسم الخطوط الورديه للالفاظ .
عندما قال لها :
يجب ان نهرب .
تبدلت لغتها من الفارسيه الي التركيه ، تخالف الهروب من جذورها ، تلاشت الفارسيه والتركيه تعلو بهذين العاشقين.

البرد والثلوج المحيطه بها والاشجار البنيه الفاقده لاوراقها يخلقون في عقلها مجيأه ، الساعه الفضيه تنظر لها وهي تنظر الي الساعه .

في ذلك الصيف والليل ذو النجوم اللامعه ، هلال توسط السماء ، جبال خائفه من ظلام يحيطها كل ليله ، جاءا ، في تلك الساعه جاءا ، استبشر خيرا الكرسي الخشبي ، خطوات بطيأه آتيه اليه ، يدان متعانقان عناق اللاحدود ، حديث لا ينقطع امام الكرسي يحاول فهمه فلا يعرف اللغه ، يجلسان عندما تلامس الاجساد الكرسي يمتص المعني ، يمتص الي ذاكرته ما يقال ، الكرسي الخشبي يفهم لغه الاجساد ، النقاط والاحرف لا اهميه لها فهي التي سوف ترتجيه لكي يدخلها في قاموسه . ملتصقان هذان الجسدان ، يده ملتفه علي جيدها الغصني ، الرأسان متقاربان يتلامسان.

تقف ،خطوات اربع وتعود الي الكرسي ، خطوات اربع ، لا تبدل الفتيات تلك الخطوات ، اليدان علي الصدر اليد اليسري ترتفع الي الوجه ، سؤال الذهن عن الوقت لايمل ، تعود الي الكرسي الخشبي ويدها اليسري علي خدها والساعه الفضيه تحت الكم.

خريف ، يأتيان مسرعان حددا مكان الجلوس ، معتزل هذا الكرسي الخشبي في ذلك المكان القصي ، لا يمر الوقت حتي يعود الربيع ، تعيد الربيع اربع شفاه عندما تلتقي ، كان يطبق بشفتيه علي شفتها السفلي ، الشفه السفلي الممتلأه بالربيع هي الربيع ، يقول احدهما للآخر «احبك» لغه عربيه هي او عبريه ،تقول هذه اللغه «احبك» يفهم الكرسي ما يقال ،كانت فتحه فوق الكاف اوكسره ، او حروف بلا ايّ حركات الجسدان يقولان «احبك».

الدمعه تنزلق من تلك العين التي تحيط بها خيوط الليل ، الخد يمتص الدمعه الاولي لكن الثانيه تكمل المسير وتسقط علي زجاج الساعه الفضيه ،تقف تمشي مبتعده عن الكرسي ، الثلوج تتساقط ببطأ ، تخرج من الحديقه والثلج يجلس علي مكانها الدفئ ، الكرسي الخشبي حزين ،هو يبكي لاول مره يبكي الكرسي مثل هذا البكاء ،بكاء مشبع بالثلج الابيض والرمادي والاسود ، يتراكم الثلج فوق الاغصان الوحيده النائمه .
الجمعه صباح الجمعه ،بنظارته السوداء يشير اليه ، ياتونه لايحمل اي منهم عشقا من نار ولا حبا من ثلج ياتونه ، في السياره ينتصب كرسي حديدي ،لونه ابيض يغطي اطرافه اللون الاخضر .

جلست احست ان البرد يأكل جسدها لن تستطيع البقاء اكثر...
كان عليّ ان اقول مقعد بدل كرسي لكن الكرسي شدني الي خشبه العتيق ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى