نزار حسين راشد - مصري ألماني

عنّ لي أن أودّع مدينة اسكندرية،بقعدة على شاطيء العجمي،كان الشاطيء الأرقى والأنقى وطبعاً الأعلى سعراً في تلك الأيام،ولأني كنت وحيداً وعازباً فقد اخترت الإبتعاد عن تجمع العائلات والنساء واخترت مكاناً على مقربة من رجل يجلس بدوره وحيداً،كان متكئاً على مرفقه وقد أرسل عينيه المتأملتين إلى سعة البحر،نظر نحوي وابتسم ورأيت من اللائق أن أبادله التحية بالتلويح باليد وان لا أكتفي بالابتسام،أشار إلي أن أنضمّ إليه،فنهضت واتجهت إليه وصافحته ثم جلست،بعد عبارات التعارف المعتادة،لم يلبث أن استغرقنا الحديث وتشعب بين الدين والسياسة والدراسة وأمور العيش،كنت أختلس النظر نحو جمهور الشاطيء ولم تلبث أن شدّت نظراتي امرأة جميلة بقوام ممشوق ولباس سباحة أنيق بلون زهري فاتح،ولم أتمالك ان أشير نحوها لافتاً نظر شريك القعدة: أنظر لهذه السمكة بين شوالات الرز، ليفاجأني برد غير متوقع ويقول باللهجة المصرية:
- تحب انداههالك؟
في البداية ظننت أنه يمزح،ولكنه لم يلبث أن أشار إليها أن تأتي،فجاءت تسعى وأنا ماخوذ من الدهشة،حيّتنا بابتسامة،ورفع الرجل يده معرّفاً إياها:
- زوجتي ستيفي.
ومداراة لارتباكي ولأدخل الأمور في جو المزاح بادرت مازحاً:
- ستيفي غراف؟
سرّني أن؟ تفكُّهي لم يسؤهم وغمغمت المرأة رافعة حاجبيها في تعبير تعجب:
- تعرف ستيفي؟
هززت رأسي مؤمّناً وشفعت بالقول:
- إنها مَثل التنس الأعلى بالنسبة لي!
راوحت المراة كفها في تعبير عن البين بين أو لست موافقة على رأيك تماماً،ثم نظرت إلى زوجها ورطنت بكلام بالألمانية ترجمه الرجل لي بأنها تريد أن تكمل جولة سباحتها قبل موعد الغداء وعقّب:
- أنت مدعو بالطبع وهذه ليست مجاملة فأنا طبعي ألماني وما كنت لأدعوك لو كان في ذلك أي نوع من الحرج.
حلّت برهة من الصمت قبل أن يستأنف الرجل حديثه وكأنه خمّن ما يدور في ذهني فراح يروي لي حكايته:
- كنت مدرساً لمادة الكيمياء بمرتبة محاضر في الجامعة وأحضّر لرسالة الدكتوراة،واقتضى الموضوع الذي اخترته توفير جهاز اختبار خاص بمواصفات معينة لم يكن متوفراً لا في الجامعة ولا في البلد،وأنه لا بدّ من التوصية باستيراده،وبالرغم من أن الكلفة لم تكن عالية إلا أنه كان لا بد من السير بالإجراء الروتيني وصولاً إلى رئيس الجامعة،إلا أن ر ئيس الجامعة اعتذر عن اتخاذ القرار من عنده وقال أنه لا بد من مخاطبة رئاسة الجمهورية لأن سيادة الرئيس هو الرئيس الفخري الأعلى للجامعة!
وحين حاول المشرف إقناعه بأن هذا المنصب فخري ويمكن تجاوزه من الناحية الشكلية إلا انه أصر وأجاب أنه ولو على سبيل التوقير والاحترام للرئاسة الجليلة لا بد من مخاطبتها!
وهكذا توجهنا للرئاسة بكتاب،وقبعنا بانتظار مجيء الرد الذي لم يجيء أبداً لا بعد شهر أو شهور حتى مضت سنة كاملة ودخلنا في الثانية،وحينها يئست تماماً واقترح علي المشرف تغيير موضوع البحث فرفضت،وخطرت لي فكرة مراسلة جامعات أجنبية وعثرت على عنوان جامعة ألمانية في إعلان في صحيفة لبنانية وكنت أيامها أتسلى بقراءة الصحف، بعد توقف بحثي،فتوكلت على الله وأرسلت إليهم نسخة من مشروع البحث وشرحت ظروفي التي أمُرّ بها بصدق وبلا تحريف أو تجميل كما نفعل نحن عادة!
لن تصدّق جاءني الردّ خلال أقل من شهر فحزمت أمري وقدّمت استقالتي وسافرت .
ختم الرجل حديثه وفرد راحتيه علامة الإنتهاء وعقّب:
- وها أنذا كما ترى بروفيسور محترم في جامعة ألمانية وحاصل على الجنسية وقادم للزيارة ومتزوج من السمكة التي أثارت إعجابك من بين شوالات الرز!
ضحكنا معاً ونظر الرجل إلى ساعته وأعلن:
- لقد حان موعد الغداء وستيفي لن تتأخر فهم شديدو الحرص على الوقت ألا يهدر أبداً، وبالفعل كانت ستيفي إلى جانبنا خلال بضع دقائق وسرنا معاً متجهين إلى المطعم،يده في يدها وأنا أنظر إليهما بعين الغبطة والإعجاب.
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى