نزار حسين راشد - طيور مهاجرة بريشٍ مستعار

يجد نفسه مشدوداً إلى جسدها بتهور، وكلما تيسر لقاء بينهما، انهمك في تأمل تضاريسها بلا أي تورع، وحين تستحوذ عليه الرغبة، مرعشةً أمواج الحب العذبة، يشعر بالخجل من نفسه، ولكنه أضعف من أن يحاول ردعها، فهو يشعر أنها ملكه،وأنه حر التصرف في تلك الملكية، ولكنه مع ذلك يشعر بشيء من الضعة، وكأنه انتهك حرمة تلك القداسة التي بنى لها في قلبه معبداً تقام فيه الصلوات والشعائر، أما كيف تسللت إليه تلك الغواية فلا يدري،ولكنه لا يملك أمامها إلا الإستسلام، إنه الوجه الآخر للحب الذي لابد من الإعتراف به،مع إبقاءه داخل دائرة الطهر والعفة،ومعتقلاّ إلى تلك الشجرة العذراء،وكأنها نخلة في صحراء،أودعت هناك ليجدها مسافر واحد،هو ذاته أحمد سفر الدين باسمه وشخصيته الغريبين.
لقد تغيّر كل شيء في تلك القرية،إلا طقوس الحب التي احتفظت بعذريتها،وظل نبعها عذباً رقراقاً لم يتلوّث أو يضار،ولذا فهو يفسّر رغبته الجامحة بها بشوق العطشان للماء الزلال.
لقد حاصر حبهما ضيق العيش في تلك القرية الصامدة في وجه شح الزمان،ولذا قرر الهجرة وسعى إليها بكل همة وإصرار حتى نجح في مسعاه.
يتذكر الآن وجهها الحزين وهو يقطع لها الوعود ويحلف أغلظ الايمان ليطمئنها بأنه سيضمها إليه في أقرب فرصة،وسيرجع عما قريب بجنسيته الجديدة ليعقد قرانه عليها ويصحبها لبلده الجديد.
ولكن ها هي الأمور تتعقد ويجد نفسه غارقاً في الإجراءات،فهم هنا حرفيون ويريدون التحقق من كل شيء،وبشكل خاص ميولك الدينية ودرجة التزامك،فالإسلام هنا تحول إلى وسواسٍ قهري،وها هو يقدم أوراق اعتماده التي تبرؤه من شبهة الإرهاب،ولكنهم فتحوا عليه باباً آخر الآن ويريدون التأكد أنه ليس معادياً للمثليين ولا يجد فيما يفعلونه غضاضة أو شيئاً مشيناً،وهو يؤكد لهم ذلك بصيغة كل واحد حر،ولكن ذلك أقل من أن يرضيهم،وتمام يطول انتظارها،والأيام تمر بطيئة في انتظار الفرج.
ولكنه نجح أخيراً وتُوجّت جهوده بالموافقة الثمينة،وها هو الآن على متن رحلة العودة،متوجّساً متوتراً لا يدري ما يخبؤه له الغيب.
جميلة تلك القرية التي لم تتغير فيها طقوس العرس والزفة،وسيختلي بعروسه بعد قليل في بيت والده القديم الذي لم يتغير عليه شيء هو الآخر،ويبدو أن كل شيء يسير على ما يرام،بالرغم من انه سيقضي شهر العسل في رحلات مكوكية بين قريته والسفارة ليحصل على الموافقة على اصطحابها معه!
تقول له متوجسة: وماذا لو رفضوا!
- لا تخافي سأظل أحاول حتى يوافقوا فقد أصبحت خبيراً بطرائق تفكيرهم!
- وماذا لو لم تنجح محاولاتك وأصروا على الرفض؟
- في هذه الحالة سأطلق آخر سهم في الجعبة ولكن عليك أن تتعاوني معي.
- كيف!
- أن تلبسي الحجاب وتذهبي برفقتي للسفارة
- معقول يفضلون التي ترتدي الحجاب! ولكن ما أعرفه هو عكس ذلك،وأنا لا أرتدي الحجاب أصلاً وقد اعتقدت أن هذه ميزة سيتعاطفون معي بسببها.
- افهميني جيداً! ستذهبين برفقتي إلى السفارة وأنت ترتدين الحجاب،وهناك سنقدم طلباً نقول فيه أن أهلك يفرضون عليك الحجاب ويضطهدونك لأنك تريدين خلعه! الاضطهاد النسوي عندهم من أكبر الأعذار التي يأخذون بها لقبول طلب الهجرة،اتفقنا؟
- اتفقنا.
وحين نفذا المخطط وحصلا على الموافقة،همس لها بصوت خافت حتى لا يسمعه أحد:
- أرأيت كم هم ساذجون؟!
وتجيبه بمرح: لا تهمني طريقة تفكيرهم،المهم أننا سنكون هناك معاً،وإذا ربنا هداني وقررت أن أ ارتدي الحجاب هل يعتبر ذلك في قانونهم سبباً لإلغاء الموافقة!
- حتى ولو كان فهناك محامون مهمتهم تحدي قوانين الدولة وهم كثر ومتطوعون، ومهووسون بتسجبل انتصارات على قرارات الدولة لأن ذلك يلمّع أسمائهم ويجعل منهم أبطالاً فلا تقلقي أبداً من هذه الناحية،فحسب ما يقولون هم بعظمة لسانهم: القوانين ما وجدت إلا ليتم خرقها.
يتضاحكان معاً ويشدان على أكف بعضهما وتمضي الطائرة بانسياب إلى وجهتها.
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى