محمد عارف مشّه - بيضة الديك.. قصة

بالضبط هذا ما حدث دون زيادة أو نقصان . كنت أجلس القرفصاء على طرف الحصيرة ، خشية أن ألفت الأنظار لي بسلوك خاطئ ، قد يراه الآخرون من ضروريات طردي من المكان ، وحرماني من تناول الغداء مع الضيوف . فحرصتُ أن لا يخرج مني صوت ، أو أقوم بأية حركة ، وبقيتُ أنظر نحو الضيوف خلسة ، وأستمع لحديث الرجال . هكذا كان يوصيني أبي رحمة الله عليه، وكان يقول لي : مجالس الرجال مكسب في أن تتعلم من مواقف الرجال يا ولدي . فحافظتُ على وصية أبي ، الذي كان هو أكثر المتحدثين . كي أستفيد من خبرته ، والأهم أن لا يتم حرماني من المشاركة في تناول الطعام معهم ، إذ كلما تخيلتُ شهية لحم الديك بالمرق ، ازددتُ التصاقا بالحائط دون حركة ، ومغلقا فمي أكثر ، لكنها السعلة . ألا لعنة الله على السعال ، والزكام ، والمرض الذي جاء وفاجأني سعاله المتواصل كنباح ، لفت أنظار الرجال ، فصمت المتحدث لارتفاع صوت سعالي وحدّته . انتبه لي أبي كأنه يراني لأول مرة ، وأمرني بالخروج بنظرة كادت تفتت عظامي لشدتها وقسوتها ، فخرجتُ راكضا خائفا بسعالي المستمر دون انقطاع ، إلى أن وصلت أمي والنسوة يقمن بإعداد الطعام في قدور كبيرة ، و ( بوابير ) الكاز تهدر تحت القدور . نظرتُ فوجدت الديوك تسبح في الماء الذي يغلي ، فازدادت شهيتي للأكل .
نظرت لي أمي وأمرتني بنظرة من عينها للخروج وأضافت هامسة : اذهب واجلس عند الرجال .
ــ أبي طردني . قلت
** اذهب والعب في الحارة إذن قالت أمي باقتضاب
ــ العب في الحارة ؟
** والطعام ؟ همس في داخلي شيء لم أنطق به .
جررت قدميّ عنوة و اتجهت نحو باب الحوش علّني أجد من يلعب معي في الحارة ويلهيني عن الجوع قليلا ، فلفح قيظ الصيف وجهي بينما الشمس في عزّ الظهيرة . الشارع الترابي خال تماما ، إلا من زوبعة عمت عينيّ حين ثارت فازداد لها سعالي وامتلأ فمي بالتراب .
هدأت الزوبعة فناديت بأعلى صوتي على أولاد الحارة ، فلم يخرج منهم أحد ، فازداد القهر فيّ وما عدت أعرف . هل أعود وأعتذر لأبي عن سعالي ، أم أعود وأعتذر لأمي لأني ولد بين النساء أم ...........؟
طال وقوفي وما زلت منتظرا جوار حائط بلا ظل ، الشمس تطاردني ، والجوع يعتصر معدتي ، وزوابع المكان تملأ رئتيّ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى