حاميد اليوسفي - لا تسكبي الماء البارد على بطنك!

سألت عائشة جارتها هنيّة :
ـ هل سمعت الشريط الأخير للفتاة التي يقولون بأنها صحفية ، وتُطل على الناس كل يوم في (الفايس بوك) ، تشتم هذا الوزير ، أو تسب ذلك القيادي الحزبي ؟!
قبل أن تردّ هنيّة ، التفتت يمينا ويسارا ، حتى تأكدت بأن لا أحد قريب من المكان ، يمكن أن يسمع ما تقول:
- والله إنها تشفي لي الغليل . والعجب أن الشرطة لم تمنعها ، أو تعتقلها ، وتقدمها للمحاكمة ، كما تفعل مع البعض!
لو قلت فقط العشر مما تنشر ، لجرجروني في أقسام البوليس ، وبهدلوني في المحاكم ، وطلّقني العربي بالثلاث ! أحيانا أستمع إليها سرا ، وأخفض صوت الهاتف ، خوفا من تلفيق تهمة أني ضد الحكومة . أعوان السلطة عندنا آذانهم طِوال ، تلتقط أنفاس الناس وهم نيام .
قالت عائشة ، وهي تقف بعد رفع اللعبة التي سقطت من يد طفلها:
ـ آخر ما أعلنت عنه (المسخوطة)* هو خروجها من الإسلام . قالت بأنها تُوحّد الله . ولا تُؤمن بالقرآن ؟ وترفض للذكر مثل حظّ الأنثيين .
علقت هنيّة :
ـ والله لم أفهم شيئا ! كنت أعتقد بأن من يؤمن بالله لابد أن يؤمن بالقرآن.
وماذا فعل والدها ؟ كيف تجلس ، وتتناول الطعام بين أهلها من نفس الصحن ، أم أنها أغوتهم ، وأخرجتهم مثلها من الإسلام؟!
أجابت عائشة بنبرة حزينة :
لم أسمع أي شيء عن أسرتها ، ربما والدها مُتوفّى ، وإلا كيف يسمح لها بأن تخرج عن دين الآباء والأجداد ؟ الله يهديها ! الأمر صعب على الأسرة وعلى الناس !
ردّت هنيّة مستغربة :
والله دخت . ما أسمعه لا يريد أن يستوعبه عقلي . حرية التعبير عجيبة ، عندما تقولين كل ما يحز في نفسك تشعرين بالراحة ، كأنك أزحت جبلا عن صدرك ، لكنها أيضا مخيفة . منذ شهرين شكوت العربي لأمه ووالده حول القهر الذي فرض علي العيش فيه . غسلوني بالشتائم ، ولم يتركوا نقيصة لم يرموني بها حتى ندمت على فتح فمي، واعتقدت بأني أنا المخطئة التي شبعت خبزا، ولم تحمد الله وتشكره .
أما إذا فعلت مثل هذه المسخوطة أعوذ بالله ، سيتهمونني بالجنون ، وينعتونني بحمّالة الحطب ، ويُحرّضون الأطفال الصغار علي رجمي بالحجارة .
بعض الفقراء نفخ لهم أحد ما البرد في آذانهم ! يطالبون بتعصب أكثر من الأغنياء بالمساواة في الإرث ، ولا يترك لهم ذووهم إلا القليل من الفتات الذي يتقاتلون من أجله . تصوري أن بعضهم يُحصي في التركة حتى المعالق والسكاكين وقنينات الزجاج الفارغة !
ردت عائشة بلطف :
- في السياسة يقولون ابحثي عن الجهة المستفيدة من هذه الخرجة ! لا يا هنية ! لا تسكبي الماء البارد على بطنك وتسكتين . الزمن تغير ، والأوضاع تعقدت أكثر . لم يعد الرجل وحده الذي يعمل ، ويصرف على البيت . بعض النساء يعملن ، ويكسبن قليلا ، أو كثيرا من المال ، ويصرفنه على البيت مثلي . والعدل من أجلّ صفات الله تعالى ، لذلك لا بد أن يبحث الفقهاء ، ورجال القانون عن حل منصف يضمن حقوق الجميع .


الهامش :
ـ المسخوطة كلمة توظف مجازا بين الأصدقاء في اللهجة المحلية لسكان مراكش بمعنى الجريئة أو الخارجة عن المألوف .


مراكش 10 غشت 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى