حاميد اليوسفي - الحَرَّاڭـْ

أقسم حتى (يحرڭ) إلى أوروبا. في كل ليلة يحلم نفسه في دولة. يبحث عن عمل في الصباح، ويعثر عليه في المساء، ويلتحق به في اليوم الموالي. يمكن أن يعمل أي شيء. سمع بأنه حتى غسل المراحيض، وتنظيف الشوارع يؤدون عليه أجورا أعلى مما يتقاضاه أساتذة جامعيون في وطنه.
الكثير من أبناء القرية حصلوا على شواهد عليا، وبقوا عاطلين عن العمل لسنوات طويلة، بعضهم تزوج وأنجب وشاخ، ولم يعثر بعد على عمل بأجر يعادل قيمة الشهادة التي دفع ثمنها كل هذه السنين من حياته، يعاني من البرد والحر والعطش والجوع.
الحمد لله أنك لم تحصل على شهادة مثلهم، وإلا ركبك الجنون، وأقدمت على ارتكاب جريمة، وختمت حياتك بالغرق في السجون. تصفهم مع نفسك بأن أكتافهم باردة. وتتعجب كيف يتحملون كل هذه الأوزار المرتبطة بحياة البطالة. الرجل تجاوز الثلاثين، يستيقظ كل صباح، ولا يخجل وهو يمد يده لأمه، أو لوالده مثل جرو ذليل، ليحصل على مصروف الجيب اليومي!
آه لو تُفرج معك مثل ما فعلت مع عبد السلام. لم يضيع (المسخوط) وقته في المدرسة. مات والده وهو صبي. دفعته أمه إلى رعي الغنم، ليضمن لقمة عيشه. قضى طفولته، وجزءا من شبابه في هذا الخلاء المترامي الأطراف، يتأمل الكون ، ويحلم مثل الأنبياء بغزو العالم. لم يكتف بالحلم فقط، بل صنع آلة وترية من وعاء الزيت القصديري الذي كانت تقدمه الأمم المتحدة عن طريق التعاون الوطني كمعونة للفقراء. صنع الكمان بنفسه، وبدأ يتدرب على العزف صباح مساء حتى أصبح جزءا منه. حفظ الأغاني الشعبية، وبدأ يرددها في الحفلات والأعراس حتى سطع نجمه. يرقص ويغني، والمال يجري بين يديه. اليوم أصبح يركب أفخم السيارات، ويملك الكثير من الخيل والضيعات. أنظر إليه وهو يتجه إلى المنصة في موسم (مولاي عبد الله أمغار)* محاطا بالحرس والدرك الملكي، ويستقبله الآلاف من المعجبين والمعجبات. فاتك قطار عبد السلام، لأنه انطلق في سن مبكرة. والقرد (الشارف)* كما يقول الكبار، يصعب تعليمه.
يُعجبك حسن ولد عبد القادر، لم يرع الغنم، ولم ينه تعليمه الإعدادي. ركب (طاكسي حليمة)*، و(حرڭ) إلى الطليان. اختفى ثلاث سنوات ثم عاد الصيف الماضي، يركب سيارة بثلاثين ألف يورو. ويقولون بأنه اشترى مقهى في المدينة بأكثر من مائة ألف يورو، وشغّل فيها أخاه العربي. ولد الحرام لا يتحدث لأحد عن نوع العمل الذي يزاوله بالضبط، وكيف حصل عليه؟ البعض بدأ يشك بأنه يتاجر في المخدرات. السيد اختفى لمدة ثلاث سنوات، وعاد بكل هذه الأموال؟ لا بد أن أوروبا جنة، يمكن أن يدخلها الإنسان، ويعيش فيها وهو حي يرزق!
ستحتاج إلى بعض النقود. لو أسعفك الوالد وباع البقرتين والعجل، وبعض رؤوس الأغنام، وسلّفك مبلغا مهما من المال، لعوضته له بعشرات الأضعاف، ورفعت رأسه عاليا بين سكان القرية.
عندما تحصل على المال، لا بد أن تسافر إلى الشمال. ستحتاج إلى صديق أو اثنين تثق فيهما، تتبادلون المشورة، وتحمون أنفسكم من اللصوص والنصابين.
الحصول على وثائق مزورة مثل الفيزا، وعقد الشغل، قد يُكلفان أكثر من عشرة آلاف درهم. العبور إلى الضفة الأخرى سيُكلف أكثر من خمسين ألف درهم. أجرة الوسيط، وأجرة صاحب المركب، وأجرة الدليل، وأجرة صاحب المكان الذي ستختفي فيه. سلسلة طويلة فوق الماء تربط بين ضفتين. لا تملك أية ضمانة بأنك ستنتقل بين حلقاتها بأمان حتى تصل إلى البر. إذا سقطت إحدى الحلقات، إما أن تغرق، أو تُسجن، وفي كلتا الحالتين، يضيع كل شيء: المال والحلم. وقد تتمنى لو تغرق، ويأخذ البحر جثتك إلى مكان مجهول، حتى لا يعلم أحد بمصيرك.
أمامك فرصة واحدة بخيارين: إما أن تنجح ، وتركب غدا مثل عبد السلام (طاكسي) حليمة ،أو كش مات الملك، وانتهت اللعبة.


المعجم :
ـ (الحراڭ): أو حرڭ بثلاث نقط فوق الكاف ، لفظ من اللهجة المحلية، يعني بأنه يريد أن يهاجر بطريقة غير شرعية.
ـ (مولاي عبد الله أمغار): اسم لأحد أولياء الله الصالحين بإقليم الجديدة بالمغرب. يقام له موسم في الصيف يمتد حوالي شهر تقريبا. يزوره الناس من مختلف ارجاء المغرب. يقام فيه كل يوم حفلات التبوريدة والغناء...
ـ (الشارف): المسن.
ـ (طاكسي حليمة): عنوان أغنية شعبية، لقيت رواجا كبيرا وسط الشباب بجنسيه. تحكي عن رحلة مجون داخل سيارة (طاكسي) بين شباب من الجنسين أوقفهم الأمن، وقادهم إلى قسم الشرطة، وصادر رخصة (الطاكسي) من السائق، وتوحي كلمات الاغنية بأن حليمة قوادة تشغل معها مجموعة من الفتيات.

مراكش 14 غشت 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى