عبدالواحد السويح - محمد البدوي المصافحة الأولى (1)

كانت 1989 سنتي الدراسية الأولى بكلية الآداب رقادة بالقيروان. جئت من العاصمة بعد تجربة قصيرة في دراسة العلوم السياسية التي لم أكن مصيبا في اختيارها فقد كان حب الأدب ينمو في كياني ولا يترك المجال لا للسياسة ولا للحقوق أو الاجتماع. ومن كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية تونس 2 أحط الرحال بالقيروان وأختار شعبة اللغة العربية وآدابها محملا بأوراقي ونصوصي الأولى التي لم يكن يعرفها آنذاك إلا خاصة الخاصة من أصدقائي وأهمهم الأزهر الحامدي الذي حدث له ما حدث لي بالضبط فكان خير رفيق لي في هذا الانتقال.

هدوئي وعفتي وملابسي الأنيقة وجمال وجهي وسلوكي وعدة أشياء أخرى لا تخلف إلا انطباعا وحيدا: هذا الطالب الجديد لا يمكن أن يكون إلا ابن أصول. وهي حقيقة ورب العالمين لذلك لم أجد أية صعوبة في التواصل مع الآخرين طلبة وعملة وأساتذة.
أول حصة لي في مادة العروض وأمام القاعة كنا ننتظر مجيء الأستاذ. وقع اسمه ليس بالغريب عن مسامعي: محمد البدوي وكم كانت دهشتي عظيمة حين تقدم نحونا رجل أعرفه جيدا وأحمل عنه انطباعات ليست بالجيدة. هذا أستاذ العربية بالمعهد الفني بالمنستير حيث زاولت مرحلة الثانوي وكم كنت أشمئز من جبته وقفته وابتسامته الدائمة ونظرات عينيه التي تبحلق يمينا وشمالا فيعتريني مباشرة الإحساس بأنه أستاذ أبله فأحمد الله كثيرا أني لا أدرس عنده.
يتقدم محمد البدوي نحونا وما من تغيير أراه إلا الاستعاضة عن الجبة بسروال ترڨال وسورية زرقاء وعن القفة بمحفظة بلهاء كبيرة الحجم. ابتلعت السكين بدمه ودخلت القاعة لأستمع إليه وملعون أبو العروض وإلي خلّف العروض.
كان هذا لقائي الأول بأهم رجل قابلته في حياتي.

(يتبع)
أعلى