عبدالواحد السويح - محمد البدوي، حصة العروض التي غيرت مسار حياتي (2)

تحولت حصة العروض بالنسبة إليّ إلى أجمل حصّة وذلك لسببين حبي الشعر ودقة اختيارات محمد البدوي للبيوت التي نشتغل عليها فقد كان حريصا على إرفاق كل بيت بظروف تلفظه فيمتزج الشعر بالسرد وبأخبار الشعراء.
كان الدرس اليوم حول بحر البسيط
و أصل تفعيلاته:
مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ
••• مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ
وسمي بسيطا لأنه انبسط عن مدى الطويل، وجاء وسطه فعلن وآخره فعلن. قيل: سُمِّيَ الْبَسِيْط بهذا الاسم لانبساط أسبابه، أي تواليها في مستهل تفعيلاته السباعية، وقيل: لانبساط الحركات في عَرُوْضه وضربه...
ولم يرد علينا في تاريخ الشعر من التزم التزاما كاملا بهذا الوزن النظري وأتحدى أيا كان أن يأتيني ببيت تكون فيه تفعيلات البسيط دون زحافات أو علل...
كان البدوي يقول هذا الكلام بكل ثقة في النفس بل لا ينتظر من أحد مقاطعة ما هو مسلّم به. غير أني آنذاك شاعر شاب شرع منذ وقت ليس بالقصير في تجريب البحور وكتابة ما تجود القريحة به على تفعيلاتها أقف في القاعة متحديا لأقول: أستاذ، أعرف بيتا على بحر البسيط بكامل تفعيلاته النظرية ودون زحاف ولا علة.
توقف البدوي عن الكلام دون أن ينظر إليّ ثم تواضعا -هكذا أحسستُ- نظر إلى صاحب الصوت قائلا هيا أيها العارف اخرج إلى السبورة وارسم لنا هذا البيت لنقطّعه معا.
كنت متأكدا حينها أنه استجاب لملاحظتي لأسباب بيداغوجية لا غير حتى يقنع هذا الطالب الذي هو أنا بخطإ معلوماته وحتى يجنبه مستقبلا عدم تعطيل سير الدرس.
تقدمت إلى السبورة. أخذت الطباشير وكتبت:
يا زهرة في خيالي، كل يوم معي
في النوم والحلم والآمال والمضجع
تناول محمد البدوي الطباشير الأحمر وشرع في تقطيع البيت.
مستفعلن، فاعلن، مستفعلن، فاعلن
مستفعلن، فاعلن، مستفعلن، فاعلن
نظر إليّ بكل حب وفخر واعتزاز كنت أرتدي قميصا ذهبيا عليه بعض الرسومات السوداء وفوقه فاست كوير بنية اللون وبنطلون دجين وحذاء أسود وسلسلة من الذهب الخالص تتدلى من رقبتي. مظهري يوحي بأمرين حينها بأني ميسور الحال وبأني فتى أحلام كل بنت ولا علامة في شكلي توحي بما يحمله الشعراء من هموم.
قال لي: لمن هذا البيت؟. أجبته والإحساس بالخجل يعتريني: هو مطلع قصيدة لي كتبتها في أختي زهرة.
- وهل تكتب الشعر؟
- لي بعض المحاولات.
ابتسم ابتسامة عريضة وقال لي: مدني بها سأقدمك في برنامج واحة المبدعين.

(يتبع...)
أعلى