نزار حسين راشد - حديث شجون

أحييني بطول الأمل، قولي لي إنني سأعيش لأراكِ مرّةً أخرى، الملاقط على حبال الغسيل تحمل بصمات أصابعك المنيرة، مساقط عينيك مطبوعةٌ هنا وهناك على كل حوائط البيت حيث توزعت لفتاتك الحائرة، أشياؤك المتناثرة كحبّات فاكهة مجففة تحت شجرة فاتتها خطى المواسم، المشط المتشبّث بنسالات شعرك بحنين أُموي، مناديلك المحفوظة في رصّة أنيقة، كُل تلك الألوان المتراوحة بين الزهري والرمادي، كل تلك الأشياء المبعثرة تُحمّلني أكثر مما أطيق، كأنني أنا من اجترح خطيئة هذا الغياب!
بعدك اختُصر العالم إلى غرفة فندق، كل ما يسعفني به صندوق المناديل الذي يمد لي إحدى أوراقه لأمسح أثر دمعة رسمت مسيلها على صفحة خدّي، وأنا أتهيّأ للخروج!
أسلمتك للسّجان حفاظاً على حياتك ولو بين جدران زنزانة، تلك الزنزانة التي صنعها مجتمع غاشم للنساء العاشقات لرجل من ملّة أخرى، بلون جلدٍ آخر وملامح مختلفة قليلاً، ولكنةٍ غير مألوفة!
كانوا يعلمون تماماً أنني سأقايض حياتك بالتخلي، ولكنّّ تذكرة السفر لم تبعدني كثيراً، فأنت ساكنة في قلبي ترتحلين معي في أرجاء هذا العالم الذي أتلهى بالتجوال فيه، وذرعه شرقاً وغرباً دون أي هدف، إلى أن تدُقّ ساعة الغيب، أو ساعة الغفران والتسامح وتلين هذه القسوة المؤبدة، حين تذرف المكابرة قشورها طائعة أو مرغمة، ويقف الصدق عارياً بلا رهبة، ويخلع العالم ثياب كهنوته الثقيلة، يتمدّد الحب تحت الشمس، كما خلقه الله أوّل مرّة!
يعرفون أنه لا شيء اجترحته بحقهم لأعتذر لهم عنه، لقد شيّعونا بالابتسامات وأنا أتأبّطُك وأخرج، ظانّين أنها نزوة وتنقضي، وأن مصيرك النهائي مرهون لحياة أخرى.
ففي الأوساط النبيلة يتسامحون مع النزوات، ويتشدّدون في الإرتباطات!
لم أفهم هذه المعادلة أبداً، هل هي لحفظ الألقاب أم الإرث أم السلالات!
ظننت أنّ هذا العهد انقضى وأننا نعيش زمناً جديداً آخر، ولكني فوجئتُ حين استيقَظَت تلك الغرائز دفعةً واحدة واختطفتكِ وحوشها من فوق سريري لتتلهى بالتهامك على مهل، ولكنّك رفضت أن تكوني لحماً مباحاً، فأعطوك فرصة أخرى أن تعيشي وحيدة، ظانّين مرّةً اخرى أنها فترة حداد وتنتهي، ولكنهم تراجعوا أمام إصرارك أخيراً، وتركوك لعذاباتك ووحدتك ليروا إن كنت ستسلّمين بالهزيمة أخيراً!
لقد هزمناهم يا حبيبتي حتى ولو وقفنا على طرفي العالم القصيين إلى أجلٍ غير مُسمّى!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى