محمد آدم - الراعى الصالح

لقد أتيح لىْ
أن أرى السماء وهى تتفسخ مثل ورقة كرنبْ
أو مومسٍ تنعظ
أن أرى الأرض وهى تتنقل من قارةٍ إلى قارةٍ
مثل كرة من البلياردو
وهى معلقة فى رقبة فأر ضالْ
أن أنعس قليلاً على العشب المبلول
وفى فمى فراشة ضالة
وقدماى تغوصان فى الوحل
أو فى عين الشمس الحمئة لا فرقْ
أن أرى الميتافيزيقا وهى تتنفس هواءً مجروحاً
فوق صينية من اللحم الإنسانى المفرومْ
على الرصيف المقابل
للعالم الحيّ
والعالم الميت على حدٍ سواء
ودون أن تشعر حتى بالضجر أو اليأسْ
أن أرى البحر
وهو يدوس على أمعاء صديقه الرملْ
عارياً
ووحيداً
بقدميه الصفيحيتين المتوحشتين
ولا يعود إلا بسروالٍ جاف
وبضع سمكات فى الفمْ
أن أسمع حبات الكركم وهى تحدق إلى رأسى المشجوج
بفأس الزمن الباردة
وبعينين سوداوين تطقان شرراً
أو حتفاً
لا يهمْ
أمام مئذنة ملطومةٍ
بسبع سنابل سوداءْ
وخنفساء جاحدهْ
أن أبحث عن المستقبل المنظور أو اللامنظور
فوق رقعة شطرنجٍ
لا يحرسها سوى الكلاب والقطط
وكرتونات العدم الراسخةِ
من فوق أسوار البورصات العالميةِ
وبالوعات العولمة الواسعةِ
واقتصاد السوق
وحشرجات رأس المال فى الزكائب العالميةِ
للخرابِ
أن أؤرجح الريح على ساقين خشبيتين
بجوار قمر ضال يفتش عن الليلِ فى الليلِ
خلف عربة روبابيكيا
وفى يده زكيبة من الجماجم المهروسة
فى مدرسة الذباب الأعمي
أنا مر بى الزمن الضائع فى حديقة الخراتيت هذه
فى رحلةٍ مكوكية ما بين الأرض والسماءْ
فوق خرائب التاريخ النارنجانى
وأسس الجغرافيا المشروخةْ
أنا سائق العربة الخرقاء ذات العجلة الواحدة فى هذا العالم
والتى يقودها الجنون من المساء حتى الصباح
ومن الصباح حتى المساءْ
من فرط ما استهلكتُ من خساراتٍ
على المقاهى الباردةِ
وقطارات الضواحى الليلية الجافهْ
وفى فمي
عدة أرغفة من نحاسٍ
على ساحل الجحيم المنتظر !!
ما الذى تريدون – منى – أن أفعله يا أبناء الأفاعى
فى مدرسة الخنازير الوسخة هذه
سوى أن أقدم لها المن والسلوي
على طبق من أركيولوجيا البطاطس
واللفت
وبضع سيمفونيات رائعة بحجم نباتات الزينة
والدم الذى يسيل فى السكك
ويغزو النوافذ
تحت سماءٍ لا تري
أو تسمعُ
أو تحسُّ
لتجلس عليها وفى نهاية اليوم الفائت لكى تمصّ القصب
أو تقزقز اللب
من فوق رؤوسنا
أو من تحت بطانياتنا المهددةِ بالتلفِ
نحن نشارة التاريخ
ومخزن الجغرافيا العتيد !!
ما الذى تريدون – منى – أن أفعله أنا العاطل عن العمل دائماً
والفائض عن الحاجة أحياناً
سوى أن أجرجر السماء من بنطلوناتها الخلفية المرقعةِ
إلى حقلٍ مجاورٍ
من الأسلاك الشائكة
وألفها فى بطانية من خراء القطط والكلاب
لأشعل فى فمها النيرانْ
وأبيعها- هناك – على الأرصفةِ
والمعدات
مثل بيضةٍ فاسدةٍ
أو مخلفات حربٍ كونيةٍ قادمةٍ
أنا الراعى الصالح
لكل هذا الألم الإنسانى المضاعف
والذى يجرى على الأرصفةِ
ويتنطط فى عربات الطوارئ
وغرف العناية المركزةِ
ولا يبصُّ على العالم
إلا بعينين زائغتين
وقلب لا يعمل إلا على طبقٍ
من النوستالوجيا
لقد استهلكت أمعائى فى الضحكِ لحدّ البكاء
وفى البكاء لحد الضحك
لا فرقْ
لا فرق
كل ذلك تحت شِجرة سرو ضريرةٍ
فى حراسةِ الريح المعتوهةِ
وأمام صندلٍ معوّجٍ
إنسانياً
أو لا إنسانياً
سوف يمرّ هذا اليوم
كاليوم السابق عليه تماماً
ثم لا شيء
لا شيء
لا شيء .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى