عبدالعزيز فهمي - أوصيك بالممكن خيرا.. يا صديقي

يا صديقي ...!
يكون هذا الهنا
حين يكون ذاك الهناك
هناك الذي أنت فيه
هناك الذي كنتُ أنا فيه
ولايزال فيَّ هنا وهناك ...
يا أنت
يا أنا...
أوصيك بالسدرة في الشعاب
سيدة الشجر
ملكة الصبر
سليلة الخلود
أوصيك بأسراب الطيور
بشواهد القبور
فقد كانوا ليكون جسر
بين العاشقين على الضفتين
الموسيقى توقظ الأسئلة في كؤوس الأمل
كثرت الفنادق في البلد
ينام بدون حلم
النائمون
غرف يتيمة
قصيرة الذاكرة
فلا تتخلَّ يا صديقي
عن سِلال القصب المحملة بتعب السواعد
كي تدركَ ما تنوح به السواقي
بين الحقول من أوجاع العطش
أوصيك بأحجار زيز
في أحشائها يَكْمُن سِرَّ البلح
في أحشائها يُزهِر حديث القصور

للأبد
عن الأزل
وأوصيك بك
كي لا يقودَ المستحيلُ قطعانه الجائعة
إلى ظلال الواحات
فيحترق العنب
يشيخ الجريد
تصفر بسمة الجلنار
وكي يظل الماء يُبَسْمِلُ في الخوابي
على جنبات الطرق
أوصيك بالممكن خيرا
إِنْ اسيقظ متأخرا
لا تعاتبه
إن ثَقُلَتْ خطواتُه
لا تنهره
هو يعرف أنه يحتضِر
لكنه من أجل حفنة تمر
لي ولك
وللذين يرقصون
كي يسمع البرزخ شوق الأرواح للحياة
يقاوم
من أجل صفرة القمح
في البيادر
دسم الزيتون
في البرد القارس
يقاوم
ولكي يظل الجنوب بداية البدايات
وعش النهايات
تأتي إليه كل الجهات
لتأخذ قليلا من الخلاص
تتطهر من غيٍّ علِق بأهدابها
ومن خطيئة التعالي إلى الهباء
الجنوب باب الحقيقة
يا صديقي
موطن الإجابات
فيه تغني الريح بين القطمير
والنوى
فيه تتعسَّلُ الكلماتُ
في شفاه المطلق
فكان الأزل جميلا
في حكي الجدات
وسيكون الأبد أجمل
في نوايا الأكف الضارعات
يُسْكِرني الجنوبُ الذي يَسْكُنني
الجنوب الذي تسكنه
يا صديقي
فإن تخلفتُ عن المجيء
عَلِّق على جبين الصباح
قصيدة
على جيد الليل
نداء الضببة للنجوم
نداء اليمام للقمر
لا بد من تقليم أظافر الغياب
لا بد من تتويج الحضور بالحضور
كي يبقى قصرالسوق
رحبة الصالحين
زاوية القادمين من حمدلة الشيح
الذاهبين إلى استغفار الفراشات
حين تنتشي باللهب
أولياء نحن
أعرف وتعرف
لذا أوصيك بالكلام الجميل
لا تتركه صامتا
لا تتركه يتيه وحيدا
لقد تغيرت النعال
كثرت الخطى في البلد
فكل الطرق تؤدي إلى أفردو "كعبة صباي"
هرم الآلهة
الذي لا يهْرَم
أفردو الذي يقود جيوش الأطلس لصدِّ جحافل الرمال...
أوصيك بما سيأتي
ما ذهب
قد ذهب
نعود
ربما
لكن هل نجدنا
كما ألِفتنا العتبات
وكِوى الديار؟؟
كل منا له الباب التي يلج منها إليه
قالت كلماتها القصائد
ما قلَّ لم يعد يَدُل
ما كثر محض هذيان
فَقَد اللسانُ بوصلته
لذا نحتاج قاموسا جديدا
يعيد للمعنى معناه
كي يبقى النقيق غناء الضفادع
والنباح كلام الكلاب
يبقى الهديل غزل الحمام على النوافذ
والصهيل بطاقة تعريف الخيول
في حظيرة البهائم...
كي يدرك الحابل حده
والنابل يهذب قوسه
قد اختلط علينا ما اتضح
ماذا عسانا نفعل
كي نكتب هويتنا بحبر الشروق
الغروب يتربص ببسمة النور
كلما شربنا قهوتنا
لنقرأ ما يقوله الوشم في قعر الفنجان
تذكرنا مذاق الخيبات المر
فنسرح في تجليات الكون
لعلنا نسترد من المغولي فينا
ما استحوذ عليه من مسافات الفرح
حين كنس الشجر من جغرافية الانتماء
وأوصد تاريخ وجودنا
في حضن العدم
يا صاحبي
لماذا يعشق كلامنا الشكوى والعتاب
لماذا نغرس اليوم
فنريد الأكل في الغد
بعد ساعة أو ساعات
سريعة هي شريعة الوجود في وجودنا
فلماذ كل هذا التعب
لماذا نهُبُّ كالبراكين
ونخفُت كالفراغ؟؟؟؟
لا جواب لديَّ
يا صاحبي
لا وجواب لدي
فأفتينا أيها العزيز
في أمري وأمرك
لعل الحلم ينقذ رحم الواحات
من عقم قاتل
أراه يكشر أنيابه
يَسْخَر على الكل
في الجبال وفي السهول
في القلوب وفي العقول
ويضحك...
عزيز فهمي/كندا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى