حاميد اليوسفي - لطمة الجن

استيقظ عبد السميع قبل الفجر بقليل. استغرب كيف لم يسمع صياح الديك. نفض عنه الغطاء، وأشعل المصباح، ثم ارتدى جلبابه، وتقدّم بضع خطوات، ووضع النعلين في رجليه، وخرج من الغرفة. أخذ آنية بجانب الحائط، وملأها بالماء من الخابية . أشعل الفُرن، ووضع فوقه الآنية. فهم لماذا لم يَصح الديك، فالسماء ملبّدة بغيوم سوداء حجبت عنه نور الفجر. توضّأ كعادته، غير أنه عندما غسل كفّيه ثلاث مرات، وأراد أن يُمضمض لاحظ بأن أحد فكّيه توقّف عن الحركة. انتابه الفزع، فحرّكه بيده، لكنه ظلّ جامدا. نهض مُسرعا إلى المرآة. عندما رأى شفتيه، وقد مالت إحداهما عن مكانها، أصابه ذُعر شديد. حاول الكلام لكنّ مخارج بعض الحروف لم تُسعفه. أول شيء تبادر إلى ذهنه أن جنيا ما ربما لطمه على وجهه من غير أن يراه، أو يشعر به . يا ما نصحته زوجته بأن يطلب التسليم من أهل المكان قبل أن يصبّ الماء على الأرض. ربما يكون قد أفسد على جني وزوجته وأبنائه من أهل المكان راحتهم.
بقي وقتا طويلا يتأمل وجهه في المرآة، ويحاول النطق ببعض الكلمات، وينتظر أن تطلع الشمس، ويذهب عند الفقيه ليشكو له ما حصل معه هذا الصباح. نسي بأنه لم يؤد صلاة الصبح بعد. رأى بأن التخلف عن أدائها قد يزيد الأمور تعقيدا. عندما انتهى من أداء الصلاة، بقي في مكانه، يردد مع نفسه كل ما حفظه من أدعية، ويطلب بأن يلطف الله به، ويبعد عنه هذا الشر الذي أصابه. وفي كل مرة يضع يده على فكّه، ويحركّه لكن بلا جدوى.
نهضت زوجته من الفراش، وألقت عليه التحية. تمتم بكلام غامض، وغطّى رأسه بِقُبّ الجلباب، وذهب إلى الحظيرة مُتظاهرا بإخراج البقرة والحمار، وبعض رؤوس الغنم، لترعى أمام البيت.
تذكر أنه نسي حقيبته في الغُرفة، فعاد أدراجه. أخذ الحقيبة التي كانت تحت المِخدّة. وهو عائد من حيت أتى، فاجأته زوجته، فقفز من مكانه هلعا، وسقط القُبّ عن رأسه. فرأت الاعوجاج باديا على وجهه من ناحية شفتيه. وكادت تصرخ، لولا أنه وضع يده على فمها، وطلب منها أن تسكت. فسألته وعيناها جاحظتان من شدة الصدمة :
ـ ماذا أصابك يا عبد السميع ؟!
لم يكن يتوقع أن يصطدم بها. هذه المرأة مثل الجن لا يخفى عنها شيء. لا بد أن يطمئنها قبل أن يذهب عند الفقيه. تحدث بعُسر، ومخارج بعض الحروف لم تكن واضحة :
ـ (اسمهي. لا أهرف ما خبث بالنبط! استيهظت أأل يووم، مالأت الآئية بالما، ووضهتها فوأ الهار، وأها أشوضأ أحششت بيفئّي يتجمّد).
لم تُميز إلا القليل من الكلمات. أجهشت بالبكاء. ولولت ولطمت خدها، ثم قالت:
ـ نصحتك دائما بأن تطلب التسليم من أهل المكان. لا بد أنك عملت شيئا لم يُرض الله. الناس تقول بأنه علينا أن نحذر الجن، ولا نزعجهم!
طلب منها أن تكف عن الكلام، ويكفيه ما يعانيه في صمت. انصرفت إلى الغرفة، وفتحت صندوقا أخرجت منه قليلا من البخور الذي تحتفظ به لمثل هذه المناسبات. أشعلت نار المجمر، ورمت فيه البخور، وطافت عند المكان الذي توضأ به عبد السميع. يداها ترتعدان. ولطرد ما تشعر به من خوف بدأت تارة تتلو الشهادة، وتارة تصلي على النبي، وتدعو الله أن يحفظها، ويشفي زوجها.
تركها عبد السميع على حالها، وذهب إلى الجامع. سلم على الفقيه من بعيد، متجنبا النظر إلى الأطفال الصغار. ترك الفقيه الأطفال في الداخل، وانصرف مع عبد السميع إلى قاعة الصلاة المجاورة. سأله ما به ؟ فروى له ما وقع معه في الصباح الباكر. لعن الشيطان، وبدأ يقرا شيئا من القرآن الكريم، وهو يضع يده على فك عبد السميع. ثم طلب منه أن ينتظر قليلا. عاد يحمل دواة من الصمخ، وقلما من القصب وقطعة صغيرة من الورق، خط عليها بعض الكلمات، ورسم جداول، وهو يتمتم بكلام غير مفهوم. طوى الورق، وطلب من عبد السميع أن يشعل القليل من البخور في المكان الذي أصيب فيه، ويضع الورق في حجاب من نحاس، ويُعلقه بخيط في عنقه، ويقرأ ما تيسر من القرآن الكريم. وقبل النوم لا بد أن يشرب عشر جرعات من الماء بعدد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وسيكون خيرا إنشاء الله. أدخل يده في الحقيبة، وأخرج قطعة نقدية، ووضعها في يد الفقيه.
وهو قادم إلى البيت، يفكر فيما حدث معه عند الفجر، وطأ على حجرة ملساء، فمالت به، والتوت رجله، وسقط في حفرة عميقة، فقام مذعورا من الفراش، يتصبب من العرق. تحسس وجهه وفكّيه، وحركهما، فانتابه الشك. ذهب إلى المرآة، ونظر إلى وجهه، وفحص فكّيه بيده مرة ثانية، فتح الحقيبة فتأكد من وجود القطعة النقدية. نطق بِضع كلمات بطلاقة . تأكد بأن فكّيه سالمان، فحمد الله وشكره.
الهامش
*ـ اسمعي. لا أعرف ما حدث بالضبط! استيقظت ككل يوم، ملأت الآنية بالماء، ووضعتها فوق النار، وأنا أتوضأ أحسست بفكّي يتجمّد.
مراكش 11 يناير 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى