شوقي بزيع - قمصان يوسف

[1 - قميص التجربة]

قبَّرات الحقول،
تقافُزُ قلب الثعالبِ
حول الينابيع،
نومُ النمالِ الطويلِ
على طرقات الشتاء،
عراكُ المجرَّات
من أجل نجم تغازله الشمسُ
من خلف ظهر الفَلَكْ
كلها الآن تسجدُ لك
كلها الآن تجثو على قدميك الإلهيتين،
ميممةً شطرَ أهدابك السود،
مسرعةً كي تقبلَ ثغر الهلال الذي قبَّلك
الذي قبلكَ
ولكن سرُّكَ في أن تكون جديرًا بسحرك
في أن تخضَّ المياة التي سكنتها الشياطينُ
كي تستعيد البراءةَ،
أو تستعيد بجذع اختياركَ
من حاسدٍ حسدك
وسرُّك في أن تعود إلى نقطة الصفرِ
كيما ترى جسدكْ
نظيفًا كجوهرةٍ في العراء
وكيما تخلِّص نرجسك المتوجسَ
من نفسه،
لا تصدق جمالَك
صدِّق ظلالك فوق الجدار
وغص نحو وحل الحقيقةِ
كيما تجدِّدَ
ما قوَّض الطين فيك
فهذا الزمانُ الذي برأ الذئبَ
من شبهة الدم
فوق قميصكَ
ليس زمانك
وهذا الحصان الذي لم تخنْ
برقَه المتردد
خانك
وإخوتك اتحدوا مع قميصكَ
ضدَّ دموع أبيك
فلا تتعلق بدلو الأمانِ
الذي انتحلوه لكي يخدعوكَ
تَوَقَّ أحابيلهم
وابتكر من خيوط الهلاك
حبالك
دع قميصك للذئب
كي تنتهي عاريًا مثلما كنتَ
واهبط إلى آخر البئرِ
كي تستحقَّ جمالكْ

[ 2 - قميص الشهوة]

حين عدتُ من البئرِ
أحسستُ أني أعودُ غريبًا
كمن مسَّه
من نسيم الألوهة
برقٌ خفيفُ
يباعدني عن يدي ملاكانِ
لا يبصرانِ سوى شبحي فيهما
وتسبح صحراءُ من خجلٍ
في عروقي
ولكنني منذ أبصرتها
ضاق صدريَ بي
فأسلمتُ خوفَ أبي للذئاب
ولحيته للرياحِ
وأحسستُ أني سوايَ
وقد راح يركضُ في خرز الظهرِ
ماءٌ كفيفُ
وإذ راودتني زليخةُ
عن جنتي شفتيها
انشطرتُ
وراح الملاكان يقتتلان
على كتفيَّ الثقيلين
فيما براكين حمراءُ كانت
تمزِّقُ أقفالَها
وتهرول تحت ثيابي
وما بين كفيَ جمرٌ يطوفُ
كأن دمي ملعبٌ للوساوسِ
بعضي يحاربُ بعضي
وتشهرني
ضد نفسي السيوفُ
ليس بيني وبين زليخةَ
إلا قميصانِ من عفةٍ وتَشَهًّ،
كأن الصراع المؤبد
ما بين إبليس والله
قد ضاق
حتى غدا بحدود القميصينِ،
أيهما الآن أختارُ؟
عدتُ من لجةِ البئر
كي لا أعود إلى البئر ثانيةْ،
غيرَ أن فحيح الأنوثةِ يشتدُّ
حول خناقي
وجسمي ضعيفُ
كان لا بد أن ينقذ الله صورته فيَّ
فلما هممتُ
وهمت
تدلت مراياهُ من خشب السقفِ
حتى حسبتُ بأني أعانق نفسي
وأن زليخةَ ليست سوى
صرخةِ الإثم في داخلي
فاستدرتُ إلى الخلف
أعدو وراء جمالي
ويعدو ورائي
نباحُ الدماء المخيفُ!

[3 - قميص الرؤية ]

تدور الكواكب من دون يوسف
من دونه يتراكض آذارُ
بين الشهورِ
ليجبي شقائقه من دم الورد،
من دونه
يلطم الموجُ صومعةَ الانتظارِ
المضاءةَ في قلب يعقوب،
كان يوسفُ أعذب من نجمةٍ
تتزينُ للموت،
أطول من سروةٍ
بين نهرين،
والقمح كان يدلُّ على شعره
كلما هبَّت الريحُ
والحزنُ كان يسابقُ عينيه
نحو دموع السفرجلِ
أجمل أخوته كان
أشبههم خلقةً بنحيب الثلوجِ
على قمرٍ في حداد
لذلك خبأْتُه في حنايايَ
دثرتُه بقميص الوفاء الملون
من دونهم
كي يضلل هذا الهياج السماويَّ
عن فتنة الخلق،
قلتُ له: يا بنيَّ
ستبصرُ أشياء لم ترها العينُ،
سوف تَشُقُّ لك الأرض أحشاءها
كي ترى سوأة الطين،
والزرع يركضُ أعمى
أمام جراد النهاياتِ،
والماء يصعدُ نحو الينابيع
مرُّ المذاق،
ولن يرث العشب
عشبٌ سواه
سترى الشمس خاشعةً
والكواكب ساجدةً تحت رجليكَ
فاكتم عن الناس رؤياك
كي لا تشمَّ الذئابُ
التي تتقمصُ أرواحهمْ
ما تراه
لماذا، إذن لم يُصخْ
لصراخ المرايا التي انشقَّ عنها تورد خديه،
وانحاز للذئب
ضدَّ وصايا الإلهْ
تدور الكواكبُ من دون يوسفَ،
لا البئر عادت به
معْ خيول الشتاء
ولا الريح تحملُ
نحو أبيه الذي شاخَ
وقع خطاه ..
ولكنَّ باقة عطرٍ
تهبُّ على بيت يعقوب
حاملةً مع قميص ابنه
نجمتين اثنتين،
تصبَّان في بئر عينيه
ضوءها المشتهى
وتعيدانه من عماهْ

12/1/1995
أعلى