محمود درويش - أنا الآخر

يفتح اللفظة .. يمشي في صفوف الشجر العالي
علينا وعلى أعدائنا يهطل هذا المطر المر
أنا الآخر ، والآخر يستولي على سري فلا يشرب من بئري
ولا يذهب
فلاذهب إلى الصمت الثنائي الذي يفتح صدري خندقا
او منطقا للطير
.. يمشي في زقاق القلب ، أولاد ينامون على فوضى الدمى
أشلاء شمس في زوايا السوق ، لا يسمع ذكرى أو صدى ،
يسال : هل جئت سدى ؟
في المعبد المهجور عش لحمام طار من أول هذا العصر ،
لا يصرخ كي لا يوقظ الموت الذي يحمله كالاسم والخاتم ،
هل كان علينا أن نحب الله
أم كانت حروبي عبثا ؟
- يفتح اللفظة يوميا ، يرى ما قد رأى الله من قبل ،
ينهار على حكمته ، يرجع من حيث أتى أول انسان إلى الأرض ،
ويجثو كنهار يطفيء الغليون والنخلة في البحر .. ويهذي
قتلوني قبل أن يكبر ظلي
أنت لن تقتل مثلي
+ أيها الباب ! لماذا تسحب الظل إلى الشارع ؟
هل كان علينا أن نصلي لرجال وأساطير
وأن نكفر منذ الركعة الأولى ولا نقوى على الإفلات من ركعتنا ؟
فالكاهن
الأول والثاني يقيمان على أعناقنا برجا نحاسيا
وأجراسا لكي توصل هذا الصمت لله وللنمل على الحائط
- من اين نعود ؟
- من خراب المعبد النائي .
أنا الآخر والآخر شعب يشتهي ياقوت عيني
لينساني ويلهو بالعبادات
- اتدعوني إلى ما تكره النفس ؟
- دمي لا ينتهي ، فلنكمل الرحلة حتى يختفي هذا المدى
لكن صوتي يشبه الأصوات
هل ابني لمن أعشق جسما قابلا للعشق؟
هل أجعله نايا لشهواتي وليمونا كثير البرق؟
أم أجمع اسمائي ؟
..أنا الآخر ، والآخر لا يعرف أسماء من كثرة اشلائي
ولا يعرف أنواع العصافير
وقد تأتي بلاد من ذبابة ..
.. يفتح اللفظة يوميا ، ويحصي الشجر اليابس في مملكة الصحراء
لم تبق سوى عاصفة أخرى
ولم يخسر سوى الذكرى ويهذي
... قتلوني قبل أن أبلغ ظلي
أنت .. لن تقتل مثلي
يغلق الباب ، يحث الجسد العاري على
النوم
علينا وعلى أعدائنا يهبط هذا الحلم
الحامض
هل كان على الحالم أن يحلم
والحاكم أن يحكم في مملكة
الصحراء؟...
هل مر نبي غامض
كي ينصب الروح كخيمة؟
.. وأنا الآخر ، والآخر يمشي خارج
الكهف على دائرة الرمل
رماني بالخطايا وارتقى أشلاءه
ثم تلاشى...
هل على المصلوب أن يصلب أمة ؟
ليرى سنبلة الوادي ويشفي روحه من
ضجر الصحراء والوحدة ....
...يغفو خارج الأيام ، لا يطلب منا أن
نرى الهامش بين الدرب والخطوة
لا ييأس منا ، لا ينادينا ، يسمينا عبيدا
.. وأنا الآخر ، قل لي: هل تغيرت ، أنا ما
كنت
لا تغلق علي الباب...
هل كان علينا أن نعيد الله من منفاه
فوق الأرض كي ندخل منفانا ؟
لمن يقرع هذا الصمت في الروح وفي
مملكة الصحراء
لم تبق سوى عاصفة أخرى... ويهذي :
قتلوني قبل أن أثقب ظلي
أنت لن تقتل مثلي
+ يفتح اللفظة ... يمشي في صفوف
الشجر العالي فلا أعرفه ...
كنا صديقين
ولا تفصلنا عن دمنا إلا المرايا
ليتني حطمتها
كنا عدوين
ولا تجمعنا إلا المرايا
ليتني حطمتها
... وأنا الآخر ، والآخر يمشي في
صفوف الشجر العالي
علينا وعلى أعدائنا يهطل هذا المطر
المر
وهذا الأزرق الذابل عيد الفصح فوق
الأرض
والأرض على الأرض تنام
قتلوني قبل أن أرفع عن خنجرهم ظلي
وناموا
بين أضلاعي ، وغنوا لي ، وقاموا
لصلاة الفجر ،
واصطفوا تماثيل من الشمع ...
وغنوا مثلما كنت اغني :
كان في البدء الكلام
قتلوني قبل أن أطوي ظلي
أنت لن تقتل مثلي
وعلى الأرض السلام .




قصيدة قديمة لمحمود درويش كتبها وهو في باريس بعد خلافه مع الرئيس ياسر عرفات ، وقد نشرت في مجلة " الوطن العربي ١٩٨٠ " وأعادت مجلة " الشراع " المقدسية للمرحوم مروان العسالي نشرها .
القصيدة غير مدرجة في أعمال الشاعر وقد كانت موضع جدل بيني وبينه .

أ. د. عادل الأسطة

- ١ -
أعلى