محمد عارف مشّة - قصتان قصيرتان

( 1 )
ضجيج الصمت . فاكهة النار . امرأة وبقايا رجل . ذاكرة مبعثرة . ريح نزقة . حشد من أحذية متراصة تنتظر حافلة ركاب قد لا تأت . نظارات سوداء تراقب الوجوه وتكتب على جدران الذاكرة المثقوبة . ضرير يجلس على حافة الطريق . مقهى وأغنية لأم كلثوم . ضجيج سيارات . سكارى اخر الليل . عشاق متذمرون من عشقهم . امرأة مصلوبة على جدار الوهم . ... كل شيء إلى الوراء إلا عقارب الساعة فتلتهم الاشياء من حولها . هو مازال ينتظر شيئا لا يعرفه .
على بعد عشرين شهقة ثمة ابتسامة . ضحكات النساء تصدّع جدران جمجمته . طفل يتشبث بثوب أمه . ثمة امرأة ترضع طفلها . على الرصيف المقابل امرأة أنهكها التعب تنتظر حافلة ركاب قد لا تأتي تقلّها إلى بيتها . كوابيس . أحلام . ذكريات غير بريئة . نواقيس تدق . فئران تخرج من جحورها . سيارة تتوقف . منبه سيارة يصرخ . امرأة تنظر إلى الجهة الأخرى متشاغلة عنه . الفأر يصير أسدا . ضبعا .ذئبا .. . تنتشر الفئران في الأزقة .. . سوق الحرامية . الجورة . المقاهي الترابية . منبهات الحافلات . دور العرض السينمائية.يخرج منها مراهقون . عمال . طلبة مدارس . عيون شبقة . شارع بلا نساء . مقهى ذكوري .
تهرب المرأة من الوحل . تلتهما العيون . تهرب المرأة . تلاحقها ألآف الفئران . تهرب . تصرخ . . تستيقظ المرأة ولا تجد كوب ماء .


( ٢ )

في زمن أبحث فيه عني . أجدني ذرات غبار عالقة في الهواء . تلسعني أشعة الشمس من خلال النافذة . ضجيج الصمت يملأ المكان . أولاد الحارة يلعبون بكرة من جورب قديم . دجاجات الحاجة فاطمة يعبثن بالحاكورة . أم محمود تكنس الشارع الترابي أمام باب بيتها ، ثم ترش الماء بيدها .
هي الساعة الخامسة مساء وقت عودة العمال الذيت ينهش التعب عظامهم وينخر العطش أجسادهم . هو قيظ تموز وصبايا الشارع الترابي يملأن جرار الماء ويضعتها على رؤوسهن المثقلة بتعب الذكريات والأحلام . . . هو تعب اشتياق لأبي القادم من بعيد . أركض نحوه . يستقبله طفل يشبهني . أبي متعب يحمل الخوف في عينيه .
مم كل هذا القهر وهذا التعب في عينيك يا أبي ؟ مشاعر لا يفسرها الطفل في داخلي . أسير إلى جانب أبي في طريق مليء بالظمأ وهموم الانكسار .
أين الأولاد ؟ سأل تعب أبي
أنهم نائمون ؟ أجاب حرص أمي
أيقظيهم صرخ اشتياقه
فتجرأت الدهشة في عيني أمي لتسأل لماذا . إن الوقت متأخر؟ . نظرت أمي صوب عيني أبي فخجلت من طيبة عينيه ....... وأيقظت الأولاد ولم توقظني .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى