أسامة حبشى - و«كأنها»

وكأنها لم تعرف أحداً من قبل، بدأ جسدها بالارتجاف، ولم تعد تملك من أمرها شيئاً، حتى الأصابع بدأت بالسخونة فالارتعاش. وأخذ الشوق يحفر عميقاً عميقاً فى منطقة لا مرئية لها، إذ كانت تحس به يتغلغل داخلها. هل أصابك مثلى؟ هل بلغك ما بى؟ تسأله.

أجابها عبر حروف تجتازه دون أن يدرى كما تجتاز ريح قوية رمال الصحراء الساكنة فى خفة تفوق «خفة الكائن»: أنتِ حوائى الأولى والأخيرة، وأشعر بسمائى تحضن أرضى ثانية، وبينهما مطر يقتل المسافات بيننا، أشعر بمطر قلبك يحيى مسامى من جديد.

«مطر»؟ تقول.

ثم تهمس «حبات مطرك ستبلل جفاف روحى، نشاف قلبى، يا نبض قلبى».

كانت أصابعه رويداً وببطء تعرى جسدها قطعة قطعة، يا إلهى، وكان ساخنا، نابضا وحيا بين يديه الحانيتين، فيما أخذ جماع جسدها كله ينتفض ثانية ومن جديد بين يديه. دون تردد انتصب داخل الغرفة وصرخ: «أحبك»، فدوت كلمته بالفضاء بين البيوت والطرقات، وكان على يقين بأنها ستغفر له ماضيه، وأنها ستصدق أنه ولد تواً من رحمها «ودفء» نهديها.

الماضى؟ ما الماضى، تقول له، دعه وشأنه، فهو لا يعنينى، ولا يعنيك كثيرا، أنا معك، هنا، أغنى لك وبين يديك، ودَّ لو يقاطعها الآن، لكنه اختفى وراء صمته الذى امتد كستارة طويلة وأخذ يستمع إليها بحواسه، وكانت تفيض به ومنه، إلى أن سمعها تقول: أريدك الآن، فأنت أنت من أحبه.

بخبث أدركته هى وأغفلته مسبقا تحسس كل جسدها، وبخبث آخر تنفس عرقها وشهوتها واختمر مثل عجين أمه الجاهز دوماً للطياب، وبسحر جنونى انساب بين شعرها، عرقه، واحتملت هى صرخته المجنونة لحظة ولادته مرة ثانية.

يا إلهى؟ صرخ مرة أخرى وامتدت صرخته إلى أن التقت بأنينها الممتد، فأغمضت عينيها لأول مرة وكانت تضحك فيما دمعة سالت من عينيها لتختلط مع عرقه الذى أغرق جسدها بحب.

لم يكن الأسود بقادر على إخفاء بياض نهديها عنه، ولم تبلغهما مسافة القدر، إذ لم تكن بقادرة على حرمانه منها، لذا غاص فى حبها كمتعبد فى غار بالرغم من تلال القيود والبعد.



* صدرت له مجموعات: خفة العمى وموسم الفراشات الحزين ومسيح بلا توراة ومحمد البوعزيزى وروايتا سرير الرمان وحجر الخلفة.
أعلى