عبدالله البقالي - اعتذار.. قصة قصيرة

كان واضحا ان في الامر خطأ فات اوان تداركه. وأن الفارق بينه وبين زوجته الثانية لا يمكن رأب صدعه. فارق يخلق داخله دوافع وأشياء كثيرة لا يستطيع هو نفسه فهمها. فهو حين يفكر في زجرها وتعنيفها، يجد نفسه في وضع الخانع الذي لا يفكر سوى في إرضائها والتودد لها. غير أنه الان وضع حدا لتيهه وتردده حين اشبعها ضربا.
بدأ ينظر إليها وهي ممددة على الأرض ترسل أنينا متواصلا كان يشعر أنه يفتت جوارحه و يهز كيانه.
كان يمكن ان يواصل قتاله لو انها استمرت منتصبة ومتمادية في عنادها. لكن وهي الآن مستسلمة وغير مبالية يما يمكن ان يفعل، تبدو اكثر قوة وأشد تأثيرا. وتخلق داخله شعورا يحعله يشعر بأنه مطوق من كل الجهات، ولا مفر امامه.. إحساس كان يغرقه في ندمه وقراراته المتسرعة.
رغب في أن يجثو على ركبتيه ويعبر عن ندمه ويقدم اعتذارات كثيرة، ويفصح عن حبه المتجدد لها. ويبرز لها أن تلك القشرة الرقيقة من الصلابة التي تبدو على مظهره، تمتد خلفها شطآن غير متناهية من الحب والوله الذي يخصه لها وحدها. غير أن كبرياءه كان يمنعه من ذلك.
أشاح بوجهه عنها لحظة، ثم عاد من جديد ينظر إليها تحت ضعط إحساس بأن مسار فقده لها قد بدأ. ومن ثم بدأ يفكر كيف يمكنه تدارك الأمر. وكيف يمكن له ان يقدم اعتذارا دون ان يعني لها ذلك أنه قد انهزم.
فكر وفكر. اعتصر عقله واعصابه. ظل يروح ويجيء. ثم رآه.
كان يبدو وكأنه صار جزءا من الجدار الذي كان بلتصق به. لم يرقه أن يكون شاهدا على تحطم صلابته وجبروته. صورة كان دائما يحرص على ان تظل مثبتة في أذهان العالم كله، وأن يحفظه الجمبع بكونه الرجل الذي لا يكسر. لكن ابنه هذا الذي هو من زواجه الأول قد سجل في ذهنه لحظة لا تقبل التأويل. توجه إليه وقال له: ماذا يا ابن الملعونة؟
ما كان ممكنا للطفل ان يفتح فمه حتى لو انتظره عقدا بأكمله. وحين تأكد له ذلك أضاف: أرأيتني أضربها؟
هز الطفل رأسه مشيرا بالايجاب. فعقب: ما الذي منعك من التدخل لتحول دون ان يحصل ذلك؟
لم يفتح الطفل فمه فأضاف: أمرتك بالبحث عن عصا؟
هز الطفل رأسه مشيرا بالايجاب، فعقب: هل أمرتك بأن تبحث عن واحد بهذا الحجم ؟
نفى الطفل ذلك بإيماءة. فأضاف الاب: هل كنت تعتقد وانت تفعل ذلك اني كنت بصدد قتل ثعبان أو حيوان مفترس؟
هز الطفل رأسه مشيرا بالنفي، فأضاق الرجل: إذا فأنت تحمل الضغينة لهذه المخلوقة التي تحسن إليك. وأنت تقابل المعروف بالغدر.
هوى الرجل بعصاه على الطفل، وظل يضرب وبضرب ويضرب إلى ان تمدد بجوار المرأة. وبعدها أحس الرجل أنه قدم لزوجته الاعتذار الملائم. وغادر الغرفة وهو راض تماما عن نفسه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى