د. سيد شعبان - نسوة الغجر!

يظهر والله أعلم أن وراء التلة التي تحيط بقريتنا قوم يختلفون عنا؛ حدثتني أمي أن عيونهم مربعة تعلو رؤوسهم؛ تتدلى من أنوفهم حلقان وأشكال عجيبة؛ يوقدون نيرانهم منتصف كل شهر؛ طعامهم يأتون به من جوف الأرض؛ يقال ديدان وحشرات، لم أرهم غير مرة أو مرتين؛ هذه الأيام بدأوا يتسللون إلى شوارعنا وأزقتنا؛ يرتدون ثيابا ممزقة أسفل ركبهم؛ يضربون بالدفوف ويتراقصون عند مدخل كفرنا؛ لهم حيل ماكرة؛ ليسوا بالغجر الذين نعرفهم يفدون في الموالد؛ هؤلاء نساؤهم يجدلن شعورهن بحبال من تيل؛ سرت في كفرنا شائعة أن من نظرت إليه واحدة منهن بعين الحب فقد امتلك كنزا من ذهب؛ في الحقيقة هن لا يجدن فينا من يصلح لأن يمتلك مفتاح الحجرة السرية؛ فقد جف ماء الحياة في ظهورنا؛ تركت السياط أخاديد من قهر.
بدأ كفرنا يلوك حكايات غريبة أن هؤلاء يجوبون باطن الأرض في أنفاق؛ شيخ الجامع القبلي يعظنا في صلاة الجمعة؛ يخبرنا أن يوم القيامة قد اقترب؛ فما هؤلاء غير قوم يأجوج ومأجوج وأن السد إذا انهدم عاثوا في كفرنا خرابا وفسادا؛ ما يمنع نساؤهم من النظر إلينا إلا خوفهن من ملك الجان الأزرق الذي يحتبس النهر جنوبا.
لديه خزائن من طمي فيها ياقوت ومرجان وتفاح وعنب وتين وفواكه مما نشتهي؛ نهر طويل يجوب البلاد ويغني ألف موال وموال؛ سفن به تجري وتماثيل على جانبيه تحكي عن بلاد جميلة وصبايا أشبه بأعواد الصفصاف ليونة وطراوة.
أتصفح كتابا كنت قد اشتريته من سور الأزبكية؛ أحد الباعة الذين يختزنون النوادر أصر أن ابتاعه منه؛ كان رجلا ذا دراية؛ تمعن في وجهي حين قرأت عنوانه وقد أزال ركاما من التراب فوقه؛ حين تجد السمكة ذات السهم تعبر النهر ثلاث مرات قبل صلاة الجمعة من شهر بؤونة الحجر فاعلم أن تمساح النهر قد تزوج من ابنة ملكة الجن الأزرق ومهرها سد كبير!
في تلك الليلة من منتصف هذا الشهر نمت مبكرا؛ فقد أعياني التفكير في شأن شجيرات السنط التي ظهرت في أرض أبي بعدما ارتحل إلى ربه؛ ما الذي أتى بها إلى هذا المكان؟
فلا خشب ولا ثمر بل إبر صدئة؛ فقد غدت بيادر القمح جحورا تسكنها الجرذان، يبدو أن زمن الجفاف بدأ يضرب بمعوله.
أخبرتهم بهذا السر القطة الخضراء التي ولدت ثلاثا من الإناث؛ حين جاءت بهن إلى فسحة البيت الكبير؛ ماءت كثيرا فأخرجت لها أمي مزقة من لبن في وعاء فخاري؛ حذرتني من أن أمسها بسوء؛ كل الضعفاء عندها مباركون!
إخوة يوسف يتكرر مشهدهم كل آونة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى