د. سيد شعبان - أبو زر

صبحت هذا اليوم مغبرا بحرارة صيف ملتهب،تقول أمي : الشمس تتغذى على حطب القلوب اليابسة، تأكل ما تتركه النسوة من ركام وشايات يطلقنها كلما اجتمعن عند الفرن للخبيز، الليلة الفائتة تسللت إلى حجرة جدتي الطينية حيث بقايا رماد كان يتلمظ نارا، ولأنها غادرت الدنيا فما عاد أحد يطفيء النار غيري، أوصتني؛ ألا يأتي شيطان " أرض المجرية" فيشعلها خرابة تلتهم الحقول الحبلى بأكواز الذرة، أو تلتهم الشياه الغافية وراء أبواب ضربها السوس.
ثمة حجرة تقف شاخصة وراء الباب،إنها تشع في العتمة، تأتيها العاقر، وتخطو فوقها الناشز، وتتمنى عندها من آيست من عودة حبيبها.
ولأنني كنت طفلا ذا نظرة لا تغيب، تلذذت بهذا،ارتديت عباءة ووضعت طاقية يتدلى منها زر،وصرت أصدر همهمة، أفلحت لعبتي، نادوني "المبروك".
امتلأت آنية أمي بالجبن الأبيض الشهي، فاض الماعون الكبير بعسل النحل، اكتسى إخوتي، طلى أبي واجهة البيت الطيني باللون الأخضر؛ فللشيخ أبو زر كرامة ووجاهة!
آنست من نفسي القدرة أن أحتوي ثورا في معدتي، لاح لي بريق عين فتاة تخطو فوق الحجر الذهبي، استدارت في لفتة بارعة، رمتني بنظرة مخاتلة،تركت في عقلي مسافة للذهول، هام بها قلبي، في تلك اللحظة ما عاد الحجر الذهبي مكانه.
اشتعلت نار بحجرتي، خرج مارد عملاق يصارعني، ألقى بي من كوة بالجدار، أما هي فقد صارت ذات الدلال والسر.
ثوبي الأخضر استحال مزقا، أنا الآن متعطل يندب أيام كان يغط في وشي من حرير، لمعت في خاطري فكرة؛ وما أكثر الترهات التي يهرف بها الشيطان حين يجمع طائفته يعدهم المن والسلوى،لا تنسوا أنني يوما كنت حاملا لسر الحجر.
أمسكت بكتاب الشيخ جاد الله؛ وجدت به حروفا ممعنة في القدم، أشكال سداسية، إشارات لقوم يعيشون تحت الأرض، بل يسكنون قاع النهر، لست ساحرا على أية حال، قرأت أول سطر أصابتني رعشة هزتني رعدة، غامت السماء في عيني، انتقلت إلى عالم آخر، أعواد الذرة الجافة كانت هشيما تذروه الرياح انتشت فرحا،بكل واحد منها سبعة كيزان مسطرة بحبوب بيضاء لذة للناظرين، البقرة التي مكثت دهرا لا تنجب يجري خلفها وعل بهي، حتى العنزة قمرين أتأمت بحملين!
في عالم الخيال تتراقص الأماني واقعا لكنه من سراب.
أرسلت إلي الفاتنة بهدية فناظر ما تفعل.
كانت قطعة من ذلك الحجر المغموس بحمرة قانية، لم تعد للأحاجي أهمية ترجى، لقد انبثق من الظلام نور أضاء لي ما بين سراديب نفسي.
قديما قالت جدتي: العريان يخيط من الوهم جلبابا، لأتحاشى كل المعميات إنه يتعاطى الخوف فيذره في كل ناحية، تطاول زر طاقيتي، رغم هذا لم يعد أحد يهبني وعاء لبن،ثقب الجني آنية العسل المصفى، النمل هو الآخر فر هاربا؛ فلا مقام له في بيت تسكنه الزنابير، إنها تصدر طنينا لا فائدة منه، أفقت على قرع بالباب، ذوو السحن السوداء استباحوا الحجر، كان معهم الخواجة بيبي الذي طاف قريتنا فوق حماره الأبيض، يمعن النظر جهة ذلك السر المنطوي جنينا في باطن الأرض، لم آخذ منه شيئا، سريعا أجبت عند كل ركلة، بي مس جن.
ما عاد في كفرنا حجر ولا بقر، يبدو أنني سأظل هكذا دون سقاء، حتى الأنثى التى خايلتني يوما غادرت سريعا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى