د. سيد شعبان - في حارة النسيان

تبدو الملامح باهتة فلا يكاد يعرف واحد من أهلها، يتمطى الناس فيما بين بابها وبين الزاوية، إنه صباح يوم لايشبهه صباح مضى عليهم من قبل؛ لقد ضرب المحروسة زلزال تراقصت منه البنايات، ثمة أقاويل بأن عفريت من الجن خرج من جوف النهر، تعدو القطط السوداء وراء العصافير، انتبه عم جاب الله لمفتاح الخزانة، ترى أين هو الآن؟
تمايلت النخلة التي مضى عليها زمن تقف كالمأذنة، لم تكن أمام جاب الله إلا أن يراقص الغراب الذي جاء بالكتاب العتيق من بلاد السودان!
تذكرت وصية أمي:' حين يضرب الغراب جذر النخلة فاخرج من الحارة لا تمكث غير ساعة"
الأبواب موصدة؛ لاأجد كوة أنفذ منها؛ ألقت إلي بنت عم جاب الله بالمفتاح جاءت به من الخزانة العتيقة!
يتراقص القرط من أذنيها، وجهها أشبه بقرص العسل، يممت وجهي شطر ضفة النهر؛ ثمة تمساح يفتح حنكه، تفزعني أسنانه تبدو أشبه بمنشار شعبان شنقار، يكاد يمزق جسدي، فررت منه لما خفته، تجوب حارة النسيان امرأة من الغجر أسنانها من فضة، تحمل على رأسها وعاء به عنزة،
كانت أمي تربطني بحبل؛ تمسك به حتى لاتتخطفني يد الغجرية!
يومئذ تطايرت صفحة من كتاب الشيخ جاب الله، من الغريب أنها علت حتى لامست السحاب، صارت كبيرة فرآها كل من في حارتنا المصاية بالنسيان، أسطرها تتماوج ماء بحر يحوط كفرنا، مفاتيح وسلاسل وقطع نقود نحاسية، تاج أخضر تزينه ياقوتة العرش!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى