كامل عبد الرحيم السعداوي - رياض البكري شيوعيا وشاعرا وشهيدا ج1

ج1


كان يحيا وكأنه خط الدفاع الأخير عن ألإنسانية ،نافخ مزامير الحلم ألاشتراكي وفخر الشيوعية،عاش واستشهد وهو في تحد مسعور مع ذاته ،عاشق فيروز وشاعر القلم المذبوح حيث كان صوتا واعدا فانتبه لموهبته نقاد وشعراء مهمون لكنه أختار أن يدفع ضريبة ألنضال ومهر ألشهادة فمضى أليها خائضا نهر الدم ، تحدى جلاديه فنفذ صبرهم وما وهنت عزيمته وعندما أرادوا نهايته كانت أقدامه ثابتة فوق رؤوسهم وما اهتزت وكأنه ذاهب إلى نزهة وارتعدت فرائصهم عندما وضعوا أرجوحة ألأبطال على رقبته فهتف راعدا : تحيا الشيوعية وأستشهد دون أن يعرف جلادوه حتى أسمه ألحقيقي.
على عويل ألقطارات تطاولت قامته حيث عمل والده في السكك الحديدية فكأن عويلها صراخ ألمحرومين على عربات ألترحال ألأبدي،فما استكان أو أستقر فمضى من غير زاد ممسكا بجمرته وسلك ألطريق ألأكثر وحشة حتى غدا ديوان شعره ثقيلا على دربه فتخلى عنه أكثر من مرة،كان يعتقد ونحن معه بأن ألصفة ألفضلى للإنسان هو أن يكون شيوعيا وهو امتحان عسير،حيث كنا نردد ما تبقى من ألمكتوب على قصاصة ألفلاح ألفيتنامي من ألفيتكونغ حيث وجدت في جيبه شهيدا على نهر ألميكونغ ,

أذا كنت طيرا فلتكن أليمامة
وإذا كنت حجرا فلتكن ألماس
وإذا كنت زهرة فلتكن عباد ألشمس
وإذا كنت رجلا فلتكن شيوعيييييييا

كان مع التيار ألثوري من ألحزب ألشيوعي ألعراقي والذي رفع ألسلاح ضد ألبعث ألفاشيستي (ألقيادة ألمركزية) ولأن ألثورة لا حدود لها فهو أنتقل حال ألكثيرين من رفاقه إلى ألأردن دفاعا عن سلاح ألمقاومة ألفلسطينية عندما كانت بوصلة هذا ألسلاح تشير إلى جمهورية ألفقراء وبعد أن أصيب بجرح عاد الى ألعراق حيث اشتدت قبضة ألديكتاتورية فتم اعتقاله فكانت ألمواجهة ألأولى مع جلاديه عبر أسوء معلميهم (ناظم كزار)ومثل سكينين التمعا في الظلام تواجهت خبرة الجلاد العتيد مع الإصرار اليافع لمناضل اختزنت روحه كل المرارات , ولما لم يحصل هذا ألمجرم منه ما يبغيه من معلومات تركه بنية تصفيته ولكن صراع ألديوك بين ألفاشيست أطاح بالرأس ألعفن ألجلاد ناظم كزار فخرج رياض ألبكري ،كانت هناك توصية خاصة تركها غسان كنفاني ألذي غادر عالمنا عام1972 تخص رياض بتكليفه تحرير ألملف ألأدبي لمجلة ألهدف ألناطقة بأسم ألجبهة ألشعبية لتحرير فلسطين ،وبما أن الوضع كان ملتبسا في ألعراق آنذاك بسبب ألتحالف ألمشؤوم بين ألحزب ألشيوعي ألعراقي (اللجنة المركزية) وحزب ألبعث والذي كان طريا آنذاك فأن رياض قرر ألذهاب إلى بيروت وخرج من ألعراق بطريقة سرية عام 1974 وباشر فعلا بإدارة ألملف ألثقافي لمجلة ألهدف حيث كانت هذه ألمجلة وملحقها ألثقافي بالذات قبلة أنظار ألمثقفين والناشطين أليساريين في ألشرق ألأوسط بشكل عام وكان يكتب بأسماء مستعارة مثل (نافل سلام) و(أبو نصير )و(كوران) وبشكل خاص (روشن) وقبل سفره كنا نقوم بإعادة تقييم تجربة (ألقيادة ألمركزية) ومستقبل ألحركة ألشيوعية ألعالمية وكان في ألذهن ألاتصال بالحركة ألتروتسكية والأممية ألرابعة وفى بيروت تسنت له فرصة اللقاء ومن ثم ألعمل مع ألتجمع ألتروتسكي في بيروت حيث كان يعمل بأسم (ألتجمع ألشيوعي ألثوري)فتعرف على مجموعة طيبة من ألناشطين ألتروتسكيين منهم جلبير ألأشقر والذي يعيش حاليا في ألمانيا والذي صدر له قبل فترة كتاب (ألشرق ألأوسط من ألمنظور ألماركسي) وكذلك كميل قيصر داغر الذي ترجم إلى ألعربية ثلاثية أسحق دويتشر ألرائعة (ألنبى ألأعزل والمسلح والمنبوذ) والرفيقتان اللتان تركتا عالمنا مبكرا مي غصوب والمخرجة رندة ألشهال وكذلك نهلة ألشهال ألتي نتمنى لها عمرا مديدا وبسبب نشاطه هذا وتعارضه مع سياسة مجلة ألهدف فلقد تم طرد رياض من مجلة ألهدف وتعرض للمضايقة والمطاردة عمل بعد ذلك محررا للملف ألأدبي في مجلة ألى ألأمام ألناطقة بأسم (ألقيادة ألعامة) (أحمد جبريل) عندما كان ألشاعر ألعراقي ألمرحوم شريف ألربيعي مسؤولا عنها وفى نهاية هذا الجزء من استذكار سٍيرة ألشهيد رياض ألبكري سندون بعضا من قصائده وسنتابع في ألجزأين ألتاليين استذكاره ونشر بقية قصائده وكتاباته وهنا دعوة لكل من يمتلك قصيدة أو مقالا غير تلك ألتي سننشرها أن يراسلنا لضمها مع ألمتوفر لدينا لإصدار ديوان أقل له وهذا أقل ما يمكن أن نقدم لذكراه ...
. ألوعد ألأخير

1

في زاوية ما .. على ألرصيف قد التقينا ماذا تبقى لنا
غير كومة من ألثلوج والذكريات
أجمل ألشموع أنطفئت
وفاض ألعشب فوق ألزهور
لسنا الذين بددنا أيامنا بأيدينا
كم ضحكة سالت على
هذه ألصخور
مثل ألشلال
وكم من لحن قد أختال في هذه ألغابة ألمقفرة
مثل ألعصافير
ولكننا هيهات
تعودنا أن لا نبكي
هل تتذكر ألسوط
أذن
أعطني أذنا بالسفر
وعدني أن تسير في جنازتي
مثل ألطاووس
لم يعد لي حب
ولا أهداب أتعلق بها

2

فحتى ألقصائد قد التحقت
هي ألأخرى بالغبار ولم يعد بيننا
ما يجمعنا أو يفرقنا
غير سحابة سوداء
ولم يتبق في ألصحن غير ألملاعق
وعلى ألجدران
آثار ألشعارات ألحمراء
والبصاق
وفوق ألرصيف
أعنى في ذلك ألشارع ألموحش
بقيت بعض قصاصات ألصحف ألقديمة
وآثار ألأحذية
فلا تبتئس أذا قلت لك
والدموع يابسة في حنجرتي
ألوداع
سأسافر إلى جوف ألتأريخ
على صهوة شرارة
وسأفكر فيك
قبل أن أنتهي في آخر لحظة



3

أنهض من ألتابوت
وأبصق في مجالس ألقتلة
وإذا استطعت
فأعدك بأني سأتبول لأخر مرة
على شواطئ ألخليج ألعربي
وأذرف دمعتين
أو رصاصتين
على صدرك ألحنون
يا وطني

23/1/1974 بغداد
أعلى