كامل عبد الرحيم السعداوي - رياض البكري شيوعيا وشاعرا وشهيدا ج2

ج2

ما بين عام 1975 و1976 تعرف رياض ألبكري على ( ألرفيق أنور) وبهذا ألتعارف انتهت علاقته ألسريعة مع ألتجمع ألتروتسكي و(ألرفيق أنور) هو ألسيد سامي شورش وزير ثقافة إقليم كردستان ألسابق وقد كان وقتذاك أحد قيادات تنظيم (وحدة ألقاعدة )وهو تنظيم متفرع من (القيادة ألمركزية) وبعد مداولات بينهما قررا ألعودة إلى ألعراق لإعادة بناء تنظيمات (ألقيادة ألمركزية )في بغداد وكردستان وهذا ما حصل وقام رياض بجولات في بغداد وبعض ألمحافظات إضافة إلى كردستان وهو يمتلك قاعدة علاقات متنوعة ومن أجيال مختلفة ولكن مزاج العصر والناس والأحوال بدأ يتغير فارتفاع أسعار ألنفط بعد ألعام 1973وفر للسلطة ألفاشية إمكانيات كبيرة ضاعفها تحالف أللجنة ألمركزية للحزب ألشيوعي ألرسمي وكذلك دعم منظومة ألانظمة ألمسماة بالأشتراكية لهذا ألنظام ألديكتاتوري ،هنا بدأ ألابتعاد فالأنعزال ثم سهولة ألرصد والمراقبة وفي هذا ألسياق نشير الى أن خلافه مع ألتجمع ألتروتسكي وعمله مع (وحدة ألقاعدة) هو بسبب انحيازه لأهمية وأولوية ألعراق للثورة مقابل أجندة ملتبسة بالهم ألقومي ألمشروخ وغير ألقادر على تغيير جلده أو ألتماهي مع زمنه ،كان ألعراق والمنطقة وحتى ألعالم أخذوا يدخلون بحالة جزر وانحسار ثوريين وربما كان بقاء رياض في لبنان أو في أي منطقة أخرى من ألعالم أكثر فائدة له ولقضيته ولكن هذا لم يعد ذا معنى حاليا سوى أن رياض كان يشيد مسرح نهايته بنفسه وكم كان صراعه مع ألبعث يحمل بعدا ذاتيا وتراجيديا فلقد فهم وبشكل مبكر ما يتضمنه هذا ألحزب وفكره من غدر ودونية ونزوع للجريمة والأستئصال , كان يعتقد إن مجرد وجود هذا ألحزب هو نوع من الأخصاء لكل مواطن أو مثقف فكيف ألحال بشيوعي من عيار رياض .
لقد كثر ألحديث عن طريقة اعتقال رياض ومن يتحمل ألمسؤولية عن ذلك وهل كانت ثمة خيانة أو وشاية ولم يصدر ألتنظيم ألمسؤول عن تحركاته ألأخيرة توضيحا ولم يتهم أحدا وهذا شئنهم ولكن ما أصبح معروفا هو أنه اعتقل في منطقة كورنيش ألأعظميه وهو يحمل وثائق مزورة (جواز سفر لبناني) بألأضافة إلى أدبيات تنظيمية وبعد عام أو أكثر من ألتعذيب ألشديد والتنكيل تم إعدامه في آب من عام 1978دون أن يتعرف قتلته حتى على أسمه ألحقيقي وهو في ألتاسعة والعشرين من عمره (ولد عام 1949) وبقي جثمانه في براد ألمشرحة لأكثر من شهر وبعد تعرف والده عليه دفنه في مقبرة كربلاء ليلحقه بعد أشهر كمدا عليه.
سنتحدث قليلا عن شعر رياض ألبكري فحياته ألعاصفة والقصيرة لم تتح له بناء شخصيته ألشعرية ألخاصة به رغم وجود بصمات محددة وملامح بالأمكان تلمس خصوصيتها وتبدت هذه ألبصمات بشكل واضح في ديوانه ألمفقود والذي كنت محظوظا بالأطلاع عليه قبل استشهاده, كان تأثير ألشاعرين ألكبيرين (بدر شاكر ألسياب ومحمد ألماغوط ) واضحا عليه وهو لا يخفيه ولكن حزنه لم يكن مستكينا كحزن ألسياب وسخريته لم تكن عدمية مثل ألماغوط وفي بداياته كان من ضمن بعض ألحلقات ألأدبية ألسائدة آنذاك ما مكنه من امتلاك ألأدوات ألضرورية للشاعر من إلمام بالأوزان والعروض والأطلاع على نتاجات وكنوز ألشعر عربيا كان أم عالميا وغني عن ألقول أنه لم تتح له ألفرصة للدراسة والتخصص وفي نهاية هذا ألجزء سنعرض ايضا بعض قصائده على أن يكون ألجزء التالي وألأخير مكرسا لتدوين ما يتوفر لدينا من قصائده وخواطره ومقالاته.


لو تأخرت يا أول ألليل
(نشرت عام 1974 في مجلة ألهدف ألعدد 265 بأسم نافل سلام)


أنني أقفل ألآن صوتي
بوجه ألرياح ألتي داهمت فرحي
ذات ليلة عيد
وأوشك أن أختفي
في ألثلوج ألمدمرة
استوقفتني على سور عشتار
زهرة أيامي ألطفلة
انتظرت ضحكتي أن تعود ألنوارس من سفر ألبحر
لكنني أوشك ألآن أن أسترد عيوني ألمدماة من بابل ألأكدية
شبعاد تركض في ألبر عارية
وأنا في ألمطبات شيئا فشيئا
وجرحا فجرحا أموت
ولكنني لا أموت على ألغصن بيتي وفي ألريح بيتي وفي ألبحر بيتي
ولي في ألأزقة قرب أبن جامع بيتي
هنالك أشرعتي ما تزال مطاردة في ألشوارع كل ألشوارع
للغضب ألقرمطي وكل ألشواطىء لي
أنني ما أزال
ولجت ألسراديب
أطفئت أسرجة ألليل ألهمجية
ماذا هنالك خلف ألتوابيت
هل مدن خارجات من ألقتل أم سفن لصباح ألدم ألأبيض ألمتوهج
أني رضعت دمي حينما ضج بي عطش ألخيل في كربلاء
فألفيت صوتي خناجر بيضاء بيضاء والخيل كانت وكانت خيام ألحسين
مداخن سوداء والحرس ألأموي وكان عويل ألسبايا
لماذا نموت وهذا ألعويل
لماذا نموت وقد أيقظ ألماء فينا طقوس ألصباح ألذي سيجيء
شهدت على مدخل ألقلعة ألملكية موتا وموتين عمرا من ألموت
أرصفة من خراب ألعصور
ومر ألمغول بأعلامهم حرسا غاطسا باللحى والشوارب والشارة ألهتلرية
رسموا في ألحياطين صلبانهم
وأنا تحت ظلمة زنزانتي كنت منشغلا بالتماثيل
كان يسوع ألآله وكان ألآله هو ألنار صليت للنار أعترف ألآن
إني هنالك عيدت نوروز أشعلت بعض ألقصاصات والورق ألمتبقي لنوروز
كانت زهور ألربيع على ألسفح تنهال فوق جبيني
وكانت عيوني تشم خطى ألريح آتية من شقوق ألنخيل
وكان لنا قاربا أتذكره
قصب ألهور كان سيوفا لمعركة ألريح والسمك أنتشر ألليل
أفزعه أن يموت غناء ألمشاحيف
في أول ألليل
يا أول ألليل يا أول ألليل
لو أن بعض ألدقائق بعض ألثواني
تأخرت يا ول ألليل
ما أغرق ألليل في أول ألليل
لم يكن للسكاكين طعم ألدم ألمتفجر
أنني انتهيت هنا وسأبدأ من آخر ألليل أغنيتي
طفلة كانت ألثورة ألمشتهاة
وشيخا هو ألبحر يا زبد ألبحر يا زبد ألبحر
أن ألحشائش تنمو
على سطح قاربنا
من جديد


ألمجد للديناميت
(كتبت في مجلة إلى ألأمام العدد553 عام 1976باسم كوران)


والآن أعرف قبل كل ألشعر
والنسف ألسياسي ألجميل
بأنه ألنسف بالديناميت
ميثاق ألمواثيق ألمفدى والإله ألآخر ألباقي على قيد ألحياة
تحطمت كل ألتماثيل ألقديمة
لا احترام سوى للعلعة ألرصاص
لقد وضعت الآن بين ألشعر والسكين حدا
أني أصلي ألآن للتفجير في ليل ألمدينة وامتطاء ألنار في ألطرقات
لا شعر ولا لحن عنيف ألصوت يشدى
هو ذا زمان نحن فيه أنا وأنت وأنها سنواتنا هذي فأن نفتح طريقا للغد الآتي
فبالتفجير نفتحه نشق به لهذا ألجزر مدا

لا تنتظر يوما به يتدافع ألثوار والعمال
أن ألانتظار خرافة وعليك شق ألدرب شق ألدرب
للعمال والثوار
أن تهدأ تصدأ لا تنتظر وأدفع بكل ألنار في رئتيك لا تترك لهم بيتا وكابوسا وسدا
ألآن فجر ألاقتحام سيقحمون عليك
حتى شعرك ألصافي ويبتزون صوتك فأندفع لا تثن جهدا
ذهبت سنين ألانتظار تساقطت كل ألقلاع ألمخملية للنضال
عليك أن تقوي يدا وتصير رعدا
وسينهض ألعمال يوما ذاك يوم سوف يأتي ألآن نحن أنا وأنت
نشق وسط ألجزر مدا
ألآن نحن أنا وأنت محطة في شارع ألتاريخ
أن لم نعترف بزماننا ستمر فوق ضلوعنا عجلاته أنفا وعمدا
ألمجد للديناميت قد آن اكتشافك موقفا أعلنت أني صرت
بين يديك يا مولاي عبدا
ألمجد للديناميت أعلنت اصطفافي بين جندك
في ألمغارب و ألمشارق مستعدا
لا يعدل ألميزان لا يتململ ألشرق ألمحاصر بالهزائم والأضاليل ألتي تشتد
أن لم نقتحم
ونكون في مستودع ألديناميت جندا
ألمجد للديناميت فاشتعلي دروب ألشرق بألديناميت
واتخذيه بين ألشعر والتأريخ حدا


آخر ملاحظة في ألدفتر ألحربي
(مقالة قصيرة ومعبرة كتبت في مجلة إلى ألأمام ألعدد552عام1976 باسم روشن )


قبل أن تأزف أللحظة ويتفرق ألجمهور لنقل ألكلمة ونذهب وأنها لمجازفة
تكتب ألشعر لوحة جدارية على مرسم ألهوليداي ان نشيد في ساحة ألاشتباك صرخة في وجه ألوجه مقال حول ألصراع ألطبقي.
أنها لمجازفة
أنها لحظة ألسلاح
سيدي أنا مغن صغير تحطم قيثاري وكثيرا ما أشرب ألشاي وأرتاد ألمقاهي ألصغيرة في أزقة مدينتي ألأولى حيث نبتت أصابع طفولتي وأندلق أناء ألحب.
أما هذه فبيروت وأنها على وشك ألدفن
هل تشارك في ألمراسيم ضع على رأسك قماشا أسود سيطلقون رصاصا مطرا في ألمقبرة ،هل تؤمن بالنفاق ؟ كتبت كثيرا ولكن لشدة ألحزن أخيرا تعرفت ماذا كان علي ان أفعل.
ماذا؟
أخيط فمي وادخل بين أوراق ألكتاب.
والحرب ؟
ولكنها حرب ألمصورين والأوراق.
أنه منطق بورجوازي يالك من(.....)
حسنا أسمع ما يقوله صاحبنا
((أن هناك فترات زمنية لم يكن ماركس وأنجلس ليستطيعا تقديم ألتطور ألتأريخي فيها بوصة واحدة ولو تحت ضربات سياطهما،وهناك فترات يستطيع رجال عاديون يملكون زمام ألأمر أن يؤخروا تطور ألثورة ألعالمية لسلسلة كاملة من ألسنين.))(تروتسكي)
أذن ما ألعمل؟
ألزراعة
ماذا تقول؟ أية زراعة؟ نعود للفلاحة؟؟
ولم لا إنها صحراء قاحلة وعلينا أن نشق ألأرض ونفتح ألطريق للسيول
ألحركة و ألسكون هما الحياة والعلاقة بينهما هي ألشريان ألرصاص و ألقذائف ألقناصون والمسلحون ألبيانات والأسلحة الفنادق والسيارات

ولكن أين صوتي؟
صوتك في ألريح
لقد هلكت من ألحزن و الانتظار
أولى بك أن تحترف ألزراعة
هذا ما سأفعله أخيرا
أعلى