محمد الرياني - سُقُوط..

بقيَ معي فائضٌ من مرتبي الشهري ، يومان ويأتي العيد، سعادةٌ غامرةٌ تنتشرُ في أنحاءِ جسدي ، اتجهتُ إلى أحدِ المعارضِ التي تبيعُ الملابس، أريدُ أن أصنعَ فرحةً لأيِّ أحدٍ أقابله، تجولتُ في المحلِّ الذي بدا شاملًا يبيعُ لكلِّ الأعمار ، وعند كلِّ توقُّفٍ لا أجدُ حرجًا في سؤالِ العائلاتِ عن المقاساتِ ونوعِ الملابسِ ، بعضُهم ينظرُ إليَّ نظراتِ استغراب، وهناك من يتْبعُني ليعرفَ نهايةَ رحلتي، ومع كلِّ لحظةِ شراءٍ أجدُ متعةً وكأنني أشتري لأبنائي، الأكياسُ التي امتلأتْ بدتْ فيها الألوانُ زاهيةً وكأني بالأطفالِ الذين سيرتدونها سيفرحون فرحًا غيرَ اعتيادي، ملأتُ العربةَ بالأكياسِ واتجهتُ إلى المخرج، في نهايةِ المخرجِ اصطدمتْ قدمايَ ببعضهما وأنا أحملُ الأكياس، كنتُ مرهقًا بعضَ الشيء، وقعتُ أرضًا، الممرُّ من حولي يعجُّ بالمتسوقين والمتسوقاتِ الذين اعتادوا شراءَ الكسوةِ مع حلولِ العيدِ أو اقترابه، شعرتُ بآلامِ السقوط، لم يكترثْ بي أحد؛ ففرحةُ العيدِ ألهتْهم عن الشفقةِ أو مدِّ يدِ المساعدة، وقفتْ عند كتفي طفلةٌ صغيرةٌ رائعةُ الحسنِ خالفتِ الجميع في عدمِ التوقف ، مسحتْ على كتفي وكأنها تقولُ لي : سلامات!! هنا رأيتُ العيدَ يضيءُ في وجهها، والفرحةُ لاينبغي أن تذهبَ لسواها، مددتُ يدي لها كي أنهض، ضحكتْ ومدَّتْ كفَّها الصغيرةَ فاستويتُ واقفًا، عاد بقيَّةُ إخوتها بعدما افتقدوها في المدخل، استغربوا من منظري ومنظرها، تراجعتُ للخلفِ ووقفتُ بينهم وبين المدخل، مددتُ يدي لأحدِ الأكياسِ فوقعتْ على فستانَ أحمرَ بمقاسها، قلتُ لها هذا لكِ ياصغيرتي، شعرتُ بأنها ابنتي، ضحكتْ ببراءةِ الصغارِ وضمَّتِ الفستانَ وتسمَّرتْ عندي، أقبل نحوي الصغارُ وقد أصابتْهم الغيرةُ منها ، ناولتهم الأكياسَ ليختاروا منها، كانتِ المفاجأة!! المقاساتُ أغلبُها جاءتْ متطابقةً على أجسادِهم، تركتُهم يفتشون في الأكياسِ وآلامُ السقوطِ لاتزالُ معي، لم يعلموا سرَّ مجيئي إلى محلِّ الملابس، ربما العيدُ أو هي حالةُ شعورٍ استثنائية، عادوا بملابسِ فرحٍ حصلوا عليها من غريبٍ سقطَ ليشعلَ الفرح ، مضى يومان وحضرَ العيد، جاءوني معيِّدين دونَ أخذِ عنوانٍ لي من قبل ، لم أسألهم كيف عرفوا مكاني، وضعوا أمامي صندوقًا جميلًا فيه ملابسي للعيد ، قالت لي الصغيرةُ على طريقتها وهي تراني مستعجلًا لأرتديها في حضورهم : انتبه!! اجعلْ ساقيْكَ متباعدتين حتى لا تقعَ كما وقعتَ قبلَ العيدِ وهي تضحكُ بإشراقةٍ تشبهُ فرحةَ العيد، دخلتُ عليهم في أبهى حلة، شككتُ في أنهم أبقوا نقودَ ملابسِ عيدهم ليردُّوا إليَّ الفرحةَ بالمثلِ كما فعلتُ معهم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى