فوز حمزة - صباحي لأجلك - قصة قصيرة -

فتحَ تطبيق الواتس آب ليجد ست رسائل صوتية بأطوال وذبذبات مختلفة.
رائحة الشاي بالنعناع، الذي كان يشربه، دغدغت حواسه ومنحته لحظة استرخاء تشبه تلك، التي تسبق شروق الشمس.
ضغط على السهم الأول ليستمع إلى الرسالة الأولى: لم يكن حبًا من النظرة الأولى أوالثانية ولا العاشرة .. لم يلد حبي لكَ من نظرات العيون أو من بين أحاديث الشوق، بل من الصمت والهدوء الساكنين خلف جدار القلب، لهذا وجدت نفسي تفعل ما كانت تفعله وهي طفلة، حينما تمسك دميتها بعيدًا عن الاضطراب والألم.
خرج من التطبيق مسندًا رأسه على حافة الأريكة مفكرًا بنبرة صوتها المرتجف كأنها تحدثه من عالم آخر موازٍ غير مرئي.
بأصابع مترددة ضغط على الرّسالة الثانية: سأخبركَ ما الذي جرى حينما رأيتكَ للمرة الأولى في المكتبة العامة، كنت تجلس قرب النافذة المطلة على نهر دجلة .. في تلك اللحظة وأنت تضع يديكَ تحت ذقنكَ تتأمل المنظر، غمرني شعور جميل أغراني بالاقتراب منك، لم أقاوم ذلك الشعور وتركته يقودني حيث يرغب قلبي.
ثمة سؤال قفز إلى ذهني، جعلني أتوقف في المنتصف وأتساءل: بماذا يفكر؟
ردد مع نفسه باستغراب رافعًا حاجبيه: حقًا .. بماذا كنت أفكر؟!
قرّب الفنجان من وجهه .. أغمض عينيه وبدأ باستنشاق الرائحة قبل فتحه الرسالة الثالثة ليستمع:
جلستُ على بعد خطوات منكَ، أحمل في يدي كتابًا لم أقرأ حرفًا منه .. حينما التفتَ ونظرتَ إليّ .. شعرت كأن داخلي قد توهج كما تتوهج المصابيح عندما يصل إليها التيار الكهربائي. لطالما آمنت أن القراءة تمنحني جناحين للتحليق، لكنها ذلك اليوم منحتني ساقين مقيدتين عند حدود عالمك وها أنا ألتقيكَ تحت سماء المكتبة، تظللنا آلاف الكتب برائحتها التي تحملنا لعصور سحيقة.
وأنا أسجل لك هذه الرسالة غمرتني الرائحة من جديد لتعود بي لتلك اللحظة.
ابتسم وهو يعيد سماع الرسالة الثالثة. كان يعرف أنها تجيد العزف على وتر يمنحه لحظات التجلي .. سماء حمراء، صور بأشكالٍ غريبة مرتْ من تحت جفنيه .. ودون أن يرفع الهاتف فتح الرسالة الرابعة: أعترف أن حبي لك حولنّي لامرأة شجاعة تمكنتْ من مقاومة مخاوفها، وجدتْ نفسها في المرآة بعد أن تعبتْ من البحث عنها في عيون الآخرين.
الرسالة الخامسة: انتظرتكَ في المكتبة أيامًا طويلة، هناك عرفت معنى الغياب حينما شاركني إياه كتابك ومقعدك الفارغ، بينما عطرك ما زال يملأ الصفحات .. أنظر للغيوم وأتخيلكَ ستظهر لي من خلفها إلا أن الشمس تبدد أحلامي والوقت يمر هازئًا مني .. كنتَ كالمطر حينما يهطل على اليباب وقت الظهيرة، حولتَ حقولي إلى مروج ملونة حينما دخلتَ من الباب تحمل في يدك وردة حمراء وابتسامة ما زلتُ حينما أتذكرها أشعر بالرغبة في السّير معك كما فعلنا ذلك النهار .. هل تتذكر؟
كيف أنسى؟! قال هاتين الكلمتين لنفسه مع تنهيدة طويلة ليستمع للرسالة الأخيرة: رائحة الشاي بالنعناع هي التي أيقظتني.
قبل نهوضه من مكانه متجهًا صوب غرفة النوم، كتب لها رسالته اليتيمة:
هذا الصّباح، وكل صباح مر مذ عرفتكِ، كان لأجلكِ!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى