نافلة ذهب - ليل كلب...

كان ممدّدا فوق الحصى. أحسّ بدبيب في جنبه الأيسر، الدبيب كان ملحّا. نتر فروته وبصق الحشرة.

اكفهرّت السماء ودوّى الرّعد في البعيد. انكمش في مكانه وحرّك أذنيه. أغمض عينيه. تراءت له نفسه وهو في بيت خشبي وأغصان صفصافة وارفة ترقص في انتظار المطر. أمام بيته الخشبي يربض سطل ماء ووعاء ترك فيه بقايا عظم مما قدّم إليه في أوّل الصباح.

عوى الكلب. شقّ عواؤه الفضاء مثل خنجر دون لون. سمع نباح جارته الكلبة الألمانية، نباحها لا يتوقّف. يحادثها أحيانا فتردّ عليه نابحة. تأتيه أحيانا رائحة لحم طازج تتغلغل بين مناخيره يشعر بها تنبت في اللّهاة مثل غصن ياسمين. كانت جارته الكلبة الألمانية تحادثه وهي بصدد أكل فطورها اللّذيذ بينما تلفح الرائحة خياشيمه. أما هو فيقتات ممّا يطفو أمامه: صحن من ورق به بقايا أكل قشور غلال أو بعض الخضر المتعفّنة غير أنه يريد أكل اللّحم مثل جارته الكلبة الألمانية تلك التي عندما تكون بصدد الأكل تدك الأرض بقائمتيها الأماميتين في خيلاء. آه لو استطاع أن يسوّغ بطنها لجرائه تسكنه برهة قبل الوضع فتملأ هذا اللّيل، ليله المعتّم، نباحا وحبورا.

فجأة سمع صوتا يشبه الحشرجة. رفع بصره يتخطّى الجدار الذي يفصل بينهما فرأى كلبا غريبا يتشمّم جذلا جراء جارته الألمانية. أخذته الدّهشة. استدار في مكانه وأسدل أذنيه. تثاءب.

إنه اللّيل.

إنما اللّيل ساكن هنا.

إنه اللّيل البهيم.

فكّر في النّوم الآن وللمطر أن يهطل.

يهمي المطر الآن مثل همسات الشّوق، قال في نفسه، الكلبة.

يصبح لججا سميكة والكلب قارب يدفع الأمواج بقوائمه الأربع بعيدا عن الصّباح.



نافلة ذهب

أديبة وكاتبة من تونس
أعلى