د. مصطفى أحمد علي - عود على بدء! أمْر نفسه!

سمعه يتحدث بلغة يعرفها. حنّ إلى تلك اللغة ورغب في ان يتعرف عليه ويحادثه. تجمعهما الغربة وتجمعهما الملامح. ما أكثر الصفات الخادعة التي تجمع بين الناس، حتى إذا ما ابتلوا بالحوادث وصروف الدهر، تبيّن لهم ما ينطوي عليه الأمر من خداع!
دعاه شيتيل يوم أمس إلى دارهم بضاحية باراديس، المطلّة على بيرغن، تعرّف إلى أبويه وأخويه، وأكلوا البطاطس بلحم الضأن. عرضوا عليه أن يبقى بدارهم الساحرة، المشرفة على البحيرة، خلال أشهر الصيف، فشكرهم على ذلك وعجب كيف اطمأنوا إليه ووثقوا فيه!
كلّ شيء في أمر معاشه ومعاده مؤجّل، مؤجّل! لا يدري حتى متى هذا التسويف. سألته في رسالة لها من باريس: أين أنت الآن من (أمر نفسك)؟ لم يُحِر جواباً فآثر ألّا يجيب. كانت نهب الأخيلة والآمال فيما لم يفكّر فيه طرفة عين، ثمّ فرّقت بينهما الأيام والشهور والسنوات. سبع سنوات.
أمر نفسه؟ أمر نفسه معلّق بين اوربّا والشرق، بين فرنسا والسودان! ودّ لو يقول لها إنه يعيش بشيء من القدرية...إنه ما يزال شرقياً... أوربا، لا يفتأ يغشاها ويمرّ بها...أليست هذه أقدار؟
امتزج في منامه مشهدان: دار جدّه سليمان بالمتمّة، ودار آل آلفيزي في ميلانو، برسّو، ثمّ غلب مشهد دار جدّه، فأقيمت صلوات، وجئ بصواني الطعام.

بيرغن، ٢٢ فبراير ١٩٨٨

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى