عبد القادر وساط - أحمد غيلان يعرض صوره الفوتوغرافية بالبيضاء

من حق السيدة نجاة أم الهيثم، صاحبة رواق "اللحظة الفنية"، أن تعبر عن سعادتها الكبرى...
فالمعرض الذي يقيمه الفنان الفوتوغرافي أحمد غيلان حاليا في هذا الرواق، بشارع تاج محل، بالبيضاء، يشهد نجاحا منقطع النظير. وثمة عشرات المئات من الزوار الذين يتوافدون عليه كل يوم.

وبمجرد ما يتجاوز الزائر عتبة المدخل، تطالعه صورة رائعة بالأبيض والأسود، لرجل عربي من مدينة منبج السورية و قد اشتبك مع ذئب متوحش في معركة ضارية! ورغم أن الصورة مأخوذة ليلا، فإنها تتميز بجودتها الفنية الرفيعة. ويؤكد الفنان، صاحب المعرض، أن الرجل الذي يخوض هذه المعركة المصيرية مع ذئب بالغ الشراسة، ليس سوى الشاعر أبي عبادة الوليد المعروف بالبحتري، الذي وصف تلك المعركة بالفعل في واحدة من أجمل قصائده وأشهرها.و فيها يصف الذئبَ بقوله:

( عوى ثم أقْعى فارتجَزْتُ فهجْتُهُ = فأقْبلَ مثْل البرق يتْبعه الرعدُ)

والحق أن صديقنا الفنان أحمد غيلان قد تعوّدَ على السفر إلى العصور القديمة، لإنجاز ريبورتاجات مصورة عديمة المثال..

ومن بين الصور التي أثارت إعجاب و استغراب الزوار، هناك صورة الشاعر أبي بصير ميمون بن قيس الأعشى وهو يسقط سقطته المميتة من على ظهر ناقته. ويُحكى أن مجلة ( باري ماتش) قد عرضت على الفنان أحمد غيلان مبلغ 1.354.000 أورو للحصول على حقوق نشر هذه الصورة التاريخية، لكنه رفض هذا العرض المغري، لأنه يأنف أن يرى صورة الأعشى مُفَرْشَخاً في مجلة للنصارى.

ومن الصور التي يزدحم الناس لمشاهدتها كذلك، صورة الخليفة العباسي المعتصم ،مباشرة بعد عودته من عمورية، وأبو تمام يقف بين يديه، ينشده قصيدته الشهيرة ( السيف أصدق أنباء من الكتب). ومنها أيضا صورة الشاعر علي بن الجهم، مصلوبا وعاريا كما ولدته أمه، بقرار من الخليفة المتوكل.

ويرى الزوار أن المصور كان موفقا للغاية في التقاط تلك الصورة المؤثرة للأسد الذي قتله الأمير بدر بن عمار، بحضور الشاعر المتنبي. وهو الأسد الذي وصفه هذا الشاعر وذكر كيف كان يعيش في وحدة مطلقة فقال:

( في وَحْدة الرهبان إلا أنهُ = لا يَعرف التحريمَ والتحليلا).

كما وصف ميله إلى التبختر في مشيته فقال:

( يطأ الثرى مترفقا منْ تيهه = فكأنه آسٍ يجسُّ عليلا).

ومن بين الصور التاريخية التي التقطها هذا الفنان المغامر، نجد صورة مأخوذة خلال تلك الليلة الدامية، التي قُتل فيها الخليفة العباسي المتوكل، بعد أن تآمر عليه ابنه مع أشخاص آخرين! وقد حكى لي الصديق غيلان كيف نجا هو نفسه من القتل، وكيف استطاع الهرب بكاميراه، بعيدا عن قصر الخليفة المضرج بدمائه!

كما نجد في هذا المعرض صورا لأبي نواس في جلسة من جلسات السمر ( يؤكد أخونا غيلان، بالمناسبة، أنه اكتفى بتصوير هذا الشاعر مع جلسائه وجليساته، دون أن يشاركهم في شيء من لهوهم). وثمة صور جميلة، بالأبيض والأسود، للخنساء مع أخيها صخ، ولجميل بن معمر مع بثينة، وللحجّاج بن يوسف الثقفي وهو يمازح الشاعرة ليلى الأخيلية، إضافة إلى صورة امرئ القيس وهو يعقر مطيته للعذارى، وصورة عنترة ممتطيا حصانه الأبجر.

أما صورة عبلة، معشوقة عنترة، فقد جاءت غاية في الروعة والإبداع. ويروج في كواليس المعرض أنها ستباع في مزاد خاص، نظرا لقيمتها الفنية العالية. وقد اتخذت فيها عبلة وضعا شبيها بوضع الموناليزا، بإيعاز من غيلان. وحتى ابتسامتها في هذه الصورة تبدو شبيهة بابتسامة الموناليزا، وإن كانت أكثر غموضا وحزنا. ربما بسبب متاعبها مع ذلك الفارس المغوار الذي يقول فيها:

( ولقد نزلْتِ فلا تظنّي غيْرَهُ = منّي بمنزلة المُحَبِّ المُكْرَم)...

وقد أنكر عليه الكثيرون استعمال كلمة ( المُحَبّ) لأنها غير مألوفة في العربية، لكنه كان يفكر عندئذ في عبلة وليس في اللغة العربية. وكل من رأى صورة هذه المرأة الرائعة سيعذر هذا الشاعر المقدام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى