محمد إسعاف النشاشيبي - نقل الأديب

694 - وأنت في جد

في (مسالك الأبصار): قال عبد الله بن الربيعي: دخلت أنا وأبو النصر البصري (بيعة ماسرجس) وقد ركبنا مع المعتصم نتصيد، فوقفت أنظر إلى جارية أهواها، وجعل هو ينظر إلى صورة في البيعة استحسنها حتى طال ذلك، ثم قال أبو النصر:

فتنتنا صورةٌ في بيعة! ... فتن اللهُ الذي صورها!

زادها الناقشُ في تحسينها ... فَضْلَ حسن أنه نضّرها

وجهها (لا شك عندي) فتنة ... وكذا هِيْ عند من أبصرها

أنا للقَس عليها حاسد ... ليت غيري عبثاً كسّرها

قال الربيعي: فقلت له: شتان ما بيننا، أنا أهوى بشراً وأنت تهوى صورة.

قال لي: هذا عبث، وأنت في جد.

695 - وصاحبها عند الكمال يموت

حكي إن إنسانا رفع قصة إلى الصاحب كمال الدين بن العديم فأجبه خطها فأمسكها وقال لرافعها: أهذا خطك؟

قال: لا، ولكني حضرت إلى باب مولانا فوجدت بعض مماليكه فكتبها لي. فقال: عليّ به. فلما حضر وجده مملوكه الذي يحمل مداسه وكان عنده في حال غير مرضية. فقال له الصاحب: أهذا خطك؟ قال: نعم. قال: فهذه طريقتي فمن الذي أوقفك عليها؟

قال: يا مولانا كنت إذا وقعت لأحد على قصة أخذتها منه وسألته المهلة على حتى أكتب عليها سطرين أو ثلاثة. فأمره أن يكتب بين يديه ليراه فكتب:

وما تنفع الآداب والحلم الحجا ... وصاحبها عند (الكمال) يموت

فكان إعجاب الصاحب بالشعر أكثر من الخط لأن فيه تورية لطيفة، ورفع منزلته حينئذ.

696 - قد أبلغناه محبة

في (شرح النهج) لابن أبي الحديد: قيل لأبي مسلم الخراساني إن في بعض الكتب المنزلة: (من قتل بالسيف فبالسيف يقتل) فقال: القتل أحب أليّ من اختلاف الأطباء، والنظر في الماء، ومقاساة الدواء والداء. فذكر ذلك للمنصور بعد قتل أبي مسلم، فقال: قد أبلغناه محبته. . .

قال المنصور للمهدي: ما أيدت بمن أيد به من كان قبلي، أيد معاوية بزياد، وأيد عبد الملك بالحجاج. فقال المهدي: قد أيدت بمن فوقهما. فقال تعني أبا مسلم؟ قال: نعم. قال: قد كان كذلك لكنه خيرنا بين إن نقتله أو يقتلنا فاخترنا قتله. . .

697 - وعليه زينهم

في (تاريخ بغداد):

قال أبو بكر بن شاذان: سألت أبا الطيب محمد بن الحسين اللخمي أن يملي عليّ شيئا فأبى، ثم سألته فأجاب، فقلت له: أعطني ورقة. فقال لي: والورق من عندي؟! أكتب، وأنشدني هذه الأبيات:

رب، ما أقبح عندي عاشقا ... مستهاما يتفقّا سِمنا!

قلت من ذاك؟ أنا؟ فاستضحكت ... ثم قالت: من تراه؟ فأنا؟

قلت: زوريني فقالت: عجبا ... أنا والله إذن قاري مني

إذ يصلى وعليه زيتهم ... أنت تهواني وآتيك أنا؟!

698 - إن اهتمامك بالمعروف معروف

قال عبد الأعلى بن حماد النرسي، قدمت على المتوكل بسر من رأى، فدخلت عليه يوما فقال لي: يا أبا يحيى، قد كنا هممنا لك بأمر، فتدافعت الأيام به، فقلت: يا أمير المؤمنين، سمعت مسلم ابن خالد المكي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة، وأنشدته:

لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

فجذب الدواة فكتبهما، ثم قال: ينجز لأبي يحيى ما كنا هممنا له به، وهو كذا، ويضعف لخبره هذا.

699 - لا يعقل

أبو سعيد الكرماني:

عزلت وما خنت فيما وليت ... وغيري يخون فلا يعزل

فهذا يدل على أن من ... يولي ويعزل لا يعقل

700 - أهذا أيضا مما أعده؟

في (الكشاف): عن عمر بن عبد العزيز (رضى اللذه عنه) أنه شكر عبد الملك حين زوجه ابنته، وأحسن إليه وقال: وصلت الرحم وفعلت وصنعت وجاء بكلام حسن. فقال أبن لعبد الملك: إنما هو كلام أعده لهذا المقام، فسكت عبد الملك. فلما كان بعد أيام دخل عليه والإبن حاضر، فسأله عن نفقته وأحواله فقال: الحسنة بين السيئتين. فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما) فقال لابنه: يا بني، أهذا أيضا مما أعده؟. . .

701 - حتى تغرب الشمس

قال أحمد بن طاهر: كنت في مجلس بعض أصدقائي يوما، وكان معي علي بن عبيدة الريحاني في المجلس، وفي المجلس جارية كان يحبها، فجاء وقت الظهر فقمنا إلى الصلاة وعلى الجارية الحديث. فأطال حتى كادت الصلاة تفوت فقلت له: يا أبا الحسن، قم إلى الصلاة، فأومأ بيده إلى الجارية وقال: (حتى تغرب الشمس) فجعلت أتعجب من حسن جوابه، وسرعته وكفايته.


مجلة الرسالة - العدد 666
بتاريخ: 08 - 04 - 1946

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى