حسام المقدم

استلمتُ ورقتي وبدأتُ في قراءة الامتحان. من عادتي أن أُغمض إحدى عينيّ وأنا أمرُّ على الأسئلة بسرعة. أتفاءل بأنني أعرف الكثير، والقليل الباقي يُمكنني الاجتهاد فيه، مثل سؤال العَشرة سُطور. اثنان من المُراقِبين يقفان بحزم وسط طُلاب اللجنة المُوزّعين في المُدَرَّج الواسع. أقرب زميل لي يبعد ما لا...
صلاح عبد الصبور عجائز الرجال والنساء، ذوو الوجوه الموشومة بخطوط الزمن في الجباه والرقاب، قالوا إنه مات في أيام حلوة! وصبية المدارس كانوا في المسجد لحظة الصلاة عليه وهو مسجي بقلب النعش الفائح بعطر الموتي. مات يوم وقفة عرفات، في أول أيام الإجازة الممتدة لأسبوع كامل. هل لهذا السبب خرجت البلدة كلها...
مثلما قالوا: فجر الخميس 31 أغسطس 2023 سيكون القمر بَدرا على أقرب مسافة من الأرض، في ظاهرة فلكية تسمّى “القمر الأزرق العملاق”. سيظهر أكبر حجما بنسبة 14%، بدرجة سُطوع تفوق المعدل الطبيعي. وها أنا أمام هذا كله.. مجذوبا أقف على سطح البيت، أرى القمر قريبا، وفي استطاعتي أن أطير وأمسكه. لأول مرة يبدو...
سخنت أذناي وأحسستُ برأسي يغلي، وعلى الفور نشَعَت جبهتي قطرات عَرق، رغم برودة أول مارس. ** مثل كل الواقفين في الصيدلية، كنت ساهما أمام التليفزيون الصغير، أُتابع الترجمة الفورية لخِطاب مسئول أوروبي يُخاطب شعبه. وعند سَماعي لجُملة: “علينا أن نستعد لفقد أحبابنا”؛ أصابتني كلمات الرجل بحالة...
هو، «أشرف» خميرة الغَم، مَن أفسدَ اللحظة. الدنيا كانت حلوة. قُبلات تفرقع على الخدود، وأياد مشدودة بسلامات عفيّة. موسيقى عالية لأغنية قديمة حماسية، تستثير حتى تراب الأرض الذى انتفض وداخ فى دوّامات متلاحقة. صحيح أنها دوامات قصيرة العمر، لكنها صنعت صخبا طبيعيا خافتا بجوار الصخب الآخر المبهج. كنا...
ست ساعات بالتمام، هي عُمر المحادثة التاريخية التي دارتْ معها. خلال ذلك نقرتْ أصابعه آلاف الحروف على الكيبورد، إلى أن غامت الكلمات أمام عينيه. قام بعدها يكاد يقع منه رأسه. كل أعضاء جسده كانت في إرهاق وذهول من ذلك التسمّر الإجباري المُفاجئ. غير معقول كل ما حدث. هو لم يكن يثق بذلك العالم...
* إلى صديقي الشاعر.. الغائب في بلاد الثلج والضباب. عليك السلام في ليالي الصقيع. السماء - لابد- ترعاك وأنت تحت مظلتك في طرقات الثلج. ليرفق بك الليل الطويل هناك، ولتزرك الشمس الخجول. أنا وعظام أجدادي المتقلقلة في ترابها نقرؤك السلام، ونقاسمك خبزك وشاي الصباح وأخبار بلدنا في الفضائيات...
لابد أن شيئا ما يُغبّر هذه الوجوه المُتعَبة التي لم تعد على استعداد لتقبل فكرة الابتسام، ولابد أنها مهمة شاقة عليك أن تسحبهم مرة أخرى إلى انفجار القهقهات والرجرجات وجعل الدموع العزيزة تطفر من العيون، والروح تتقافز صاعدة حتى تصبح على مسافة شعرة من الحلقوم. هذه الوجوه التي تُطالعك فى الحافلات...
الأربعة يخرجون من المدينة: الأب والصّبي، والرَّضيع الملفُوف بإحكام في حضن الأُم. يمشون على تُراب يعرفُهم جيدًا، فمنذ قُرون يشرب من أجسادهم وأجساد أجدادهم. لا شيء في المدينة العريقة غير الحرب. يكفي مشهد البيوت الواقفة بالكاد: تكَسَّرتْ عظامها وبانت الأحشاء، عبر نوافذ مفقُوءة الأعين. كُلّ...
“أيوا الملك والوزير، مِش مصدّق؟” لا يعنيني أن أُصدّق أو لا أُصدّق، إنما ليس بي طاقة لسماع حكاية معجونة من أزمنة بعيدة، على لسان رجل لا أعرفه، وبالصدفة وحدها يتقدّمني في الطابور. لا يزال مُلتفتا تجاهي. أطوف بتفاصيل وجهه الأسمر المسحوب، وعلى الفور أربط ملامحه الطيبة بملامح عبدالوارث عَسَر...
بعد قفزة واثنتين، ثم ثالثة كبرى بطُول قَوس قزح؛ رأيتُ كأنني في يوم البَعث. صدّقتُ عينيّ، لأنني قبل أن أخطو استأذنتُ الأستاذ "عبد الفتاح كِيليطو" في الرّفقة. وهو كعادته، في وصلات خياله الخلّاق، لا يردّ سائلا أو طالبا للصُّحبة. أخذَني من يدي وأشار إلى المدى المنظور، حيث الناس شِبه عُراة يمشون...
تَجمّدت قدماي أمام المقهى الصّادح بأُم كُلثوم: "القلبُ قَد أَضْناهُ عِشْقُ الجَمال والصّدرُ قَد ضاقَ..". أُغنية "رُباعِيّات الخَيّام" تحديدا لا أستطيع مُقاومتها، وها هي تفاجئني في مقهى صغير، بشارع جانبي مُتفرّع من الميدان الكبير. بلا تردد استدرتُ إلى اليمين ودخلت، اخترتُ الكرسي المقابل...
اليوم، في الضُّحى تحديدا، صحوتُ. كالعادة رميتُ نظرة نحو الشجرة القائمة في ركن الحجرة: لا تزال على حالها وزهوتها الخضراء المُراوغة. من فراشي صفقتُ كفيّ ببعضهما، وخرجت حروف بطيئة من شفتيّ المزمومتين: بوتيرو! جرى ريقي على رائحة القهوة، فقمت لإعدادها. في المطبخ الصغير المسنود على حجرتي؛ تناولتُ...
قال الدليل: أمامنا صحراء، ومن ورائها صحراء أخرى بكثبان عظيمة متموجة. سنعبر كل ذلك، ثم أتركك أمام المدينة التي تطلبها. ….. تقف مُنهكا على أول المدينة وتتعجب: مدينة مشاع، يدخلها الداخل فلا يُوقفه حُراس أو تمنعه أسوار. تتوكل على ربك وتخطو، لكنك لا تكاد تتجول بعينيك قليلا حتى يضطرب رأسك...
النُّكتَة جاءت في موعدها. قالها أحمد فجأة: مُدرِّسة دراسات تاهَ زوجها، فذهبت لتبحث عنه في الخريطة! ضحكنا في نَفَس واحد، وبقينا في انتظار دخول الأبلَة سناء التي لم تظهر طول اليوم. في الفصل "دَوْشَة" كبرى تُصاحب دائما الحصة الأخيرة، أصوات ونداءات وخبط وزعيق. من كلمة إلى كلمة اكتشفنا أننا جميعا...

هذا الملف

نصوص
71
آخر تحديث
أعلى