عبد الرزّاق بوتمزّار

بَعدَ نظرةٍ خاطفة، حدّدَ من خلالها موقعَ الدكان، توقـفَ وأخرج عْدْسته. اقترب من بائع اللـّعَب الجائل، المُنكمش على نفسه صامتاً فوق كرسيه، واستأذنه في التقاط صور لمعروضاته الصّغيرة. ألقى نظرة على الدّكان، وهو يتحدّث إلى البائع، الذي اخترق بردُ يْنّايرْ جسدَه النّحيف فجعله يلوذ بكرسيه الصّغير...
أمام بلكونتي الصّغيرة في ذلك الحي الخلفي حديقةٌ صغيرة. كانت أكثر ما جعلني أوافق، فوراً، على الاستقرار في بيتي الجديد هناك. ليس في كلّ مكان في الدّارْبيدَا يُمْكن أن تجد مسكناً (للكراء) أمامه حديقة؛ يلعب فيها الصغار نهاراً وتُزقزق العصافير عشيّةً وعند الفجر.. الفجر؟ هل قلتُ الفجر؟ في فجرِ أحد...
وضع آخرَ لمساته على حذاء الزّبون، الذي يمدّ رِجله أمامه في ترفّع. "ها قد حصلتُ على ما أقتل به هذا الجوع اللعينَ، ولو إلى حين!".. قال في نفسه. رمى إليه الرّجل بالدرهم واختفى، دون حتى النظر إليه. تلقَّف الدرهمَ وقلبه بين يديه. أشرق وجهه الشّاحبُ بابتسامة خاطفة. وضع الدرهمَ داخل جيبه الوحيد غير...
"لعيون ذكّرتْني بغابِر الأيام"... نسجتُ عنوانا لجميلِ الأحلام وتأبَّطتُ حزني والأسى وبدأتُ رحلة التّيه في عالم أثخَنني بالجراح واستكثرَ عليَّ أن أكون شاعرَا. سرتُ مُتعثرا في ظلمة السّراديبْ، فعسكرتْ في دواخلي مخاوفُ الأزمنة وعشّشتْ على جدران روحي غربانٌ بوجوه الخطايا. كتمتُ عن الكون أسرارَ...
فجأةً، تنهمر قطرات الغيث على المدينة بعد طول ترقّب. تتجمّع السّيول وتتكون وديان صغيرة تجري في جنبات الطرق. يظهر ارتباك ملحوظ في حركة المارة. الناس يركضون في اتجاهات مختلفة ليَختبئوا من القطرات الكبيرة المشاغبة. تنظر إلى المتراكضين وابتسامةٌ ساخرة تعلو شفتيك. لماذا يهربون من قطرات الغيث ولا...
كنتُ مهزوما بجولتين للا شيء وفي طريقي إلى خسرانٍ أكيد في الثالثة. عقلي مشوّش وأفكاري مشتتة منذ واقعة الصباح. يوم الخسارات تظهر علاماته منذ الساعات الأولى. وفألي السيء جاءتني تباشيره على الريق هذا الصّباح... لا أدري كيف رميتُ "الجّوكيرْ"، أنا الذي توعّدتُ خصمي بأن أسُدّ عليه به. هزمني في جولتين...
وقفت مريام ترتجف وهي تُراقب جحافلَ الإسرائيليين يُداهمون القرية المسكينة وينتهكون حُرمةَ أهلها، مُوزِّعين عليهم رصاصاتهم دون حساب. كانت مريام (يهودية مغربية حاربت إلى جانب الفلسطينيين) تقف وسط النساء، تُعايِنُ هذا الفصل المُروِّعَ لواحدة من أفظع المَجازر التي اقترفها الصّهاينة في حق هذا الشّعب...
تتوقـّف مُصْدرة أزيـزاً يُسمَع مـن بعيد. يصعـد راكبان ويحاولان افتكاك تذكرتيهما من بين الأجساد المُتزاحِمة عند مدخل الناقلة. مع الراكبَين ثالثٌ لا ينوي دفعَ ثمن التـّذكِرة ولا وجهة مُحدَّدة يقصدها؛ الحافلة وسيلتُه وغايته. بدون مُقدّمات، ينطلق صوتـُه (ببحّةٍ تشي بأن صاحبها خرّيج "مدرسة" أخرى في...
في الأوقات التي كنتُ أجد مَن ينوب عنّي في الدّكان، كنتُ أبتعد في دروب المدينة وشوارعها، بلا بَوصلة في غالب الأحيان. أركب درّاجة أو أسير إلى اللامكان؛ لا هدفَ مُحدّداً إلا الابتعاد قدْرَ الإمكان. الابتعاد شُرود يُذكّرني بالتّخَلي والهجر والغياب. كثيراً ما كنتُ أنتهي إلى ساحة المصلى، حيثُ المكتبة...
كاتب عُموميّ.. وضع آخرَ لمساته على حذاء الزبون الذي يمدُّ رِجله أمامه في ترفّع. "ها قد حصلتُ على ما أقتل به هذا الجوع اللعينَ، ولو إلى حين!" قال في نفسه. رمى إليه الرَّجل بالدرهم واختفى، دون حتى النظر إليه. تلقَّف الدرهمَ وقلبه بين يديه. أشرق وجهه الشاحبُ بابتسامة خاطفة. وضع الدرهمَ داخل جيبه...
وحدَها الكلابُ، هنا الآن، سيّدةُ المكان والزّمان. لا صوتَ يعلو على صوتِ قَنوعَ بنِ يَنوعَ، سليلِ القَنوعِ الأكبر. البشرُ هنا؟ آوَوا إلى أكواخهم مُبْكرِين، استكانوا إلى جدرانِ أمكنتِهم، وَفِي القلوبِ حسراتٌ على أفق غيرِ مُبشِّر. في السّتاجْ (stage) رقم 841 في لعبة "Bubblewitch2" الاحتمالاتُ...
أعلى