كريم جخيور - ليست عرجاء قصيدتي

قبل أن تتشيع الأسماء
في أربعينات القرن المنصرم
جاء أبي من قرية تسمى كرمة بني سعيد
في أرياف الناصرية
مدينة السومريين
ومأوى زقورتهم
الى أحدى ثكنات العسكر في البصرة
ولا أعرف كيف تزوج من أمي
زكية عبد الواحد الحاج سالم
بصرية من كعب
كانت سمراء حلوة
لم يقولا لنا
ولكن بالتأكيد لم يتعارفا
في صالة سينما
أو في حديقة عامة
ولا في باحة جامعة
فأبي لم يعرف أن يفك الخط
وكل ما يعرفه من الحروف
هي تلك التي يكتب اسمه بها
ولكنه كان شاطرا في الحساب
أقصد حساب الأرقام
ربما ﻷنه لاعب دومينو ماهر
وكان مقامرا
كثير الخسارات
وأفدحها كانت
حين باع البيت
ليخسر ثمنه
مع هذا كان أبي أنيقا
لا يخرج دونما عطر
وكان كثير الخيانات لأمي
التي كانت طيبة حد الوجع
حنينة مثل إله
لم يعبث بمخلوقاته
حالها حال الجنوبيات
قليلات الحيلة والفرح
لا يعرفن الكره
ولم أذكر انها تخاصمت مع الجيران
ماتت في عقدها الخامس
قبل أن يأخذوني الى الحرب.
كانت عرجاء أمي
وكنت اذا ما تخاصمت في اللعب
ينبزني أحدهم فيقول لي
ابن (العرجه)
كنت طفلا
وحين كبرت وقرأت قصيدة عدنان الصائغ
(نظر اﻷعرج الى السماء
وهتف بغضب
أيها الرب
إذا لم يكن لديك طين كاف
فعلام
تعجلت في تكويني)
عرفت لماذا كانت أمي ترفع رأسها
وتطيل النظر الى السماء
كلما عدت الى البيت وأخبرتها منكسرا
بأن احدهم
عيرني بأنها عرجاء
لم يكن في بيتنا مكتبة
والكتاب الذي كان ملفوفا
بقطعة قماش خضراء
هو الوحيد في بيتنا
تقبله أمي بعد كل صلاة مغرب
لم يفتح أبدا
وحين كبرت عرفت أنه القرآن.
اشترته أمي للتبرك
كما تعتقد.
في هذا البيت
خلقني الله ﻷكون شاعرا
حتى أكتب كل هذا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى