منى سلمان - الودك..!!

وضع (حيدر) البنبر في منتصف الراكوبة تحت مشلعيب جدته (حبوبه حوه) ثم صعد عليه ليتمكن من الوصول إلى المشلعيب، امسك به بيد وادخل يده الأخرى يبحث بين (صرر وربط) جدته ويفتح العلب الموجودة فيه واحدة بعد الأخرى حتى عثر على ضالته في علبة لبن بدرة قديمة .. حملها ونزل، فتح غطاء العلبة وادخل يده و(خرت) منها كما أوصته أمه ، فقد كان قد اشتكى لها بعد عودته للبيت معاناته من جفاف وتشقق بشرته وتراكم طبقات القشف الأسود عليها حتى تحولت إلى جروح في بعض الأجزاء مسببة له الألم و(الآكولة) الشديدة ، فقد اجتمع عليه ماء الوضوء المثلج الذي تتجمد معه الدماء في عروقه خاصة في صلاتي الصبح والعشاء، مع مقابلته (لزيفة) الصباح أثناء ذهابه للمدرسة في ذلك الشتاء القارص، نصحته أمه :
امش كوس في مشلعيب حبوبتك .. بتلقاها لامة فوقو الودك .. امسح منو القشف .. والله الودك بيروحو ليك الكمدة بالرمدة.
احتج على فكرة المسوح بالودك:
لكن يمه أنا ولد كبيييير كده وعايزاني أتمسح بالودك .. والله إلا كان الأولاد يضحكوا علي ساكت.
قالت له مطمئنة:
انت شيل ليك حتة بس ما تكتروا .. وادعكا كويس في يديك قبّال تتمسح بيها .. وما تخاف مافي زول بجيب خبرك.
جلس على البنبر ودعك (خرتة الودك) بين يديه ثم مسح بها على يديه ورجليه بشدة حتى اختفى بياض لونها وتحول الى لمعة على طبقات القشف والشقوق، وخص شقوق كعبيه النازفة بكمية معتبرة، ثم هب واقفا وهو يمسح ما علق بين أصابعه من الودك على صلعته حديثة الحلاقة، انطلق إلى الشارع ليلحق برفقائه المجتمعين للسمر في التل الرملي على مشارف القرية قبل أن تجبرهم رياح المغارب الباردة على مغادرته والعودة للبيوت ليلوذوا بها .
إلتقته جارتهم (نور المدينة) وهي تحاول جمع أغنامها وإعادتهم للبيت فنادته:
حيدر .. يا حيييدر .. عليك الله سوقلي الغنم ديل دخلم لي جوه.
لم يكلف نفسه كثير عناء لجمع الغنم فما إن رأته يقترب منها حتى تقافزت بسرعة وفزع شديد وانطلقت لتدخل البيت حتى علت بعضها فوق بعض من سرعتها، لم يهتم لتصرف الأغنام الغريب وواصل طريقه في اتجاه التل.
متبخترة مرت من أمامه قطة (ناس كلتومة) ورغم تعودها على المواء الودود والتمسح على رجليه كلما رأته، إلا إنها ما أن عبرت من أمامه حتى انتفض جسدها وتقوس في تحفز وارتفع صوفها كالقنفذ ثم أسرعت تتسلق الحائط هربا منه، نظر إليها في استغراب وحدث نفسه:
بُرّه دي مالا الليلة .. جنت ولا شنو؟
وبالقرب من نهاية الطريق المفضي إلى التل اجتمعت مجموعة من كلاب القرية ولكن ما أن اقترب منها حتى توترت وانتفضت واقفة وهي تزوم وتزمجر بشدة ثم انطلقت هاربة من أمامه لا تلوي على شي، نظر خلفه ليراقب هروبها الغريب وهو في حيرة ثم هز كتفيه ليطرد حيرته وواصل سيره حتى التحق برفقائه هناك، جلس يتسامر معهم حتى نزل الظلام فأتخذ طريقه عائدا إلى البيت.
مع نزول الظلام تكاثرت أعداد الكلاب في الطريق ولكن ما أن هلّ على أول الطريق حتى اختفت جميعا بسرعة وأخلت الطريق، تساءل في حيرة:
الليلة الكلاب والكدايس ديل ماآآآ براهم !!!
دخل إلى البيت فوجد كلبهم يرقد في خمول تحت شجرة النيمة التي تتوسط الحوش، فكر في التوجه إليه ليداعبه ويرى ردة فعله، ولكن ما إن اقترب منه حتى شب الكلب على قوائمه وناص (نياص) ضيق شديد، ناداه : مالك يا بوبي؟
ولكن مع اقترابه استدار الكلب وقفز خارج السور، زادت حيرته وتوجه للراكوبة ليتمدد فيها، دخلها ومر من أمام حبوبة حوه الراقدة على العنقريب، شممت حبوبة حوه الجو بأنفها وسألته:
آآآجنا إت منو؟ .. تعال لي جاي النشمك!!
اقترب منها قائلا :
ده أنا حيدر يا حبوبة.
قالت :
حيدر ؟!!! الممسحك بي ودك المرفعين هولي شنو يا ولد؟
قال في ذهول:
مرفعين؟؟!!!
قالت في تأكيد:
آي ودك المرفعين الجابتو لي حاجة (مرجانه) امسح بيهو ركبي للرطوبة.. والله قالت جايبنو ليها من جبال الانقسنا.
قال وهو يتحسس رأسه مستدركا:
قلتي لي مرفعين .. اتاريني الليلة وقفت كلاب الحلة على فد رِجل!!!!


لطائف - صحيفة حكايات

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى