سيد التوني - شجرة البكاء.. شعر

ذاتَ مساء
في قريتي البعيدة
كنتُ عزمتُ الرحيل
حفرتُ حفرةً
نزعتُ قلبي وزرعتُه فيها
ثم أهلتُ عليه الترابَ والذكريات
رويتُ تربتَهُ بالكثير من الدمع
والأسرار
ثم منحتُه قبلةَ الوداع
كنتُ كلَ ليلة أعودُ من منفاي
وأرويه بدموعٍ جديدة
دموعٍ طازجةٍ نتيجة خساراتٍ مدبرة
وأصدقاءَ خائنين وانتكاسات
ومشاريعَ حبٍ فاشلة
عندما اشتدَّ عودُه
ونما ظلُه على الأرض
صارتْ أوراقهُ تنشدُ الأشعار
وتنشرُ الكثير من الأسرار
وكان أهلُ القرية يسمعون له نحيباً يقضُّ مضاجعهم
ويسلبُهم أفراحهم
حذروا أطفالهم من اللعبِ عند شجرة البكاء
وقال أحسنُهم طريقة
نتلوا عليه آياتِ الوحدة
ونصلي صلاةَ الغائبين
عله يهدأُ أويستكين
وقال آخرُ لنتخذنَّ عليه مسجداً
يأوي إليه الحزانَى والمشردون
والطيورُ المهاجرة
وقال اللذين غلبوا على أمرهم
انتزعوه من جذوره
كي لا يلوثُ تربتنا
وينشرُ الحزنَ في قلوبنا الواهنة
وبكتْ نسوةٌ في المدينة
كيف لكم أنْ تكونوا بهذه القسوة
فتنزعوا شجرةً مغروسة بالدماء
فقط ترويها دموعُ المعذبين
لكم شِربُ يومٍ ولها شٍربُ يومٍ معلوم
لكنهم قالوا
نهجمُ عليها هجمةَ رجل واحد
فنجتثُها من جذورها
ونقطع أوردتِها
فلا تعودُ تبثُنا حزنها
عندما بتروا فروعها
طارت حماماتٌ بيضاءُ كثيرة
حلقتْ فوق القرية في وداع أخير
فماتت الزروعُ وذبُلتْ الأشجار
وأمطرت السماءُ لعدة ليال مطرا كالدماء
عندما حفروا الحفرة
وجدوا قلبي ساجداً تحفهُ الملائكة
وحولهُ جنةٌ وتصاوير
تجري من تحتها الأنهار
فبكوا جميعاً
وقالوا مُطرنا مطرَ السَّوء
في غرفة العمليات
كان الطبيب يقول كلمته الأخيرة
لا فائدة .... لقد فقدناه
إنهُ الآن يرقدُ في سلام
بينما كنتُ أحلقُ لأول مرة
هناك بلا صراعاتٍ ولا مكائدَ
في قريتي البعيدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى