محمد حساين - الشرجم،. قصة قصيرة

الصباح يبدأ حين تزيح سبيعة الخامية وتفتح الشرجم وتتأكد من أن الأرض لا تدور كما يقول ابنها، فما كان بالأمس خلف الدار لا زال خلف الدار: آثار زريبتها.وبقية برويطتها ونصف محراثها وعجلة التراكتور المتآكلة و، غير بعيد، بيت الجارة ايجا ذو المدخنة المائلة كمدفع مضاد للطائرات.
إيجّا، تحفة آدمية مات زمنها وعاشت هي، عجوز تنظر فترى وتنصت فتسمع وتعجن وتخبز وتعد بيدها حريرتها كل صباح وتعد بيدها حريرتها كل مساء وتنحني وتستقيم دون أن تقول "أحححح أتداوتينو" (اح أضهري). جميلة لا نور في وجهها ولا قسوة مؤمنة بالله الذي لا يعاقب، لا تصوم لشيخوختها ولا تصلي اقتناعا بأنها لن تموت قريبا.
إيجّا تعيش، رفقة كلبة لقيطة مسالمة إسمها "الكلب"، في بيت ذي نوافذ بشبابيك سجن ومدخل حديدي بمزلاج في الداخل ومزلاج في الخارج.
الآدميون هنا جيران يسكنون بيوتا قليلة متفرقة منتمية لفصيلة الأكواخ في الظاهر ولفصيلة الكهوف في الباطن، يحبون إيجّا وإيجا لا تحبهم.
هم في ذاكرتها، وبدون "إلا" ، غرباء مغتصبون أراضي أزواجها الراحلين.
شابران مكي، أو فقط شابران، جندي عجوز متقاعد، بلانطو زوجة الجنرال بويزماون سابقا، شكام الجدارمية والفوريستيين بشهادة ايجّا، يعيش منفردا بعد ان طلق زوجته الثانية إثر وفاة زوجته الأولى.
بين ايجا وشابران عداوة ترجع لأيام عشق عبّر عنه المُحصَن أنذاك بوشاية أودعت آخر أزواج المحصنة في سجن عين قادوس حيث مات بعد ايام حبس قليلة.
وبين الجارين حرب متجددة.
كل يوم تطرد العجوز العجوز من ساحتها وكل يوم يتحدى العجوز العجوز ويصر على التواجد قرب نافذتها. لا اختيار للرجل، هو مدمن مهاتفة وهي الوحيدة التي أمام بابها منطقة الريزو.
هذا الصباح البارد جدا لم يبدأ ككل الصباحات. بيت إيجا مطوق بكلاب الدواوير القريبة، وعلى غير العادة، لا دخان يصعد من فوهة مدخنته.
انصرفت الجارة لبعض الأشغال وعادت للشرجم قلقة. لا حركة تدل على حياة بشرية داخل او خارج البيت المقابل مما يشير الى أن حصار البيت من طرف كتيبة الكلاب لا علاقة له ببداية دورة الخصوبة لدى الكلبة.
.
عاد الولد وأقسم لأمه انه طرق الباب مرات ومرات ولا أحد يجيب ولا قفل على المزلاج الخارجي.
امس، سبيعة آخر من كان رفقة ايجا،
أمس هدأتها وأدخلتها بيتها بعد المعركة الاستثنائية بينها وبين الجار العجوز.
أمس مسحت إيجا بشابران الأرض
أمس رجمته بحجرين اصاب أحدهما رجله الخشبية إصابة سمعتها المتفرجات.
امس شتمته بالأمازيغية والعربية ولغة الصم البكم.
امس عيرته بمرض السكر وبرجله المبتورة وقالت عن نفسها انها "ما رضاتش القيّاد والكوماندارات " بينما زوجته هو "ما رضاهاش حتى السرّاح"
امس حين أخرج شابران تلفونه وهددها بأنه سينادي الجدارمية ، رمت منديل رأسها أرضا وتحدته بالعبارة التاريخية "واش الجدارميه رجال وانت مشي راجل؟، ايلا راجل أجي عندي"
أمس انسحب الرجل الأعرج قليلا وهو يعرج كثيرا معيدا هاتفه الخارج عن التغطية لجيب سرواله العسكري ومكتفيا بالعبارة التاريخية "وا سيري تنعسي، بغيتك تنعسي ما تنوضي نشاع الله".
قليل من الوقت، وكانت الجارات مجتمعات امام باب إيجا بينما كان الأولاد يطردون، رجما بالحجارة، مجموعة الكلاب .
قال الجميع إن العجوز، ان لم تكن ميتة، فلا شك مغمى عليها.
قال الجميع أنها مبارزة الأمس وأن أبواب السماء كانت مفتوحة حين قال شابران "تنعسي ما تنوضي"
كل الرجال في سوق ايموزار
بدأت سبيعة تبكي فساندتها الأخريات بمسح عيونهن التي لا دموع فيها.
- لا بد من رجل
- لا بد من كسر الباب
لا بد من الجدارمية لكسر الباب
- لا بد من اشعار ابنها في تاهله وابنتها في صفرو
- لا بد من "الله أعلم"
- ولا بد من إشعار شابران.
مسكين شابران سيموت ندما على استفزازه لها ورميه لها أمس بدعاء سوء.
وصل الوابيتي وابنه سفيان وطرقا الباب بالكف المفتوح وتأكدا انه مقفل من الداخل وافترضا ما افترضته الجارات بل وشم أحدهما رائحة وأكد ذلك أنف الثاني !!!!
سفيان لديه تلفون ولديه رقم شابران وشابران لا شك في السوق قريب من مركز الجدارمية وشابران لديه رقم ابنة ايجا وابنة ايجا لديها رقم أخيها.
- مشارجي التليفون أسفيان ؟
- سوفيان عيّط على شابران ودوزو ليّا
التمس الولد أشعة الريزو وانحنى ليحجب عن الشاشة أشعة الشمس ثم ضغط وضغط وضغط وضغط وقبل ان يرفع البورطابل إلى أذنه وقبل آلو، سُمع رنين متصل كرنين الساعات القديمه قادم من داخل بيت ايجا.
- أحّي...
- اويْهانو...
- ويلي ويلي
لحظة وانقطع الرنين شنقا.
تكلم الكل مع الكل بالنظرات واتفق الكل مع الكل وأعاد سفيان النداء دون جدوى.
تلفون شابران مقفل وموطوره الثلاثي العجلات، الذي لم ينتبه اليه أحد، بباب بيته دلالة على انه لم يذهب للسوق...
انسحبت النساء موشوشات وانسحب الوابيتي محوقلا وغادر سفيان مبتسما خجلا وحياء من أبيه وعادت الكلاب مدعمة بفحول أخرى لمحاصرة البيت بينما كانت إيجا، وراء شق في النافذة تراقب وتقول بصوت عال كي يسمعها شابران الممدد فوق السرير والممددة رجله فوق الكرسي:
"سيرو الله يعطيكوم التوفيس كاملين".

محمد حساين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى