جعفر الديري - همس المال.. قصة قصيرة

هوى الرجل الغريب بكفّه الخشنة على خدِّ الشاب المسكين، فوقف هذا ذاهلاً من أثر المفاجأة، ثمّ كشّر عن أنيابه وانقضّ على الرجل، الذي أمسك به بقوّة وألقى به للأرض، وراح يكيل له الضربات حتى تركه دامِيَ الوجه يئن أنين من سقط من شاهق.
ثمّ أشار الرجل إلى الحارسين الواقفين في خدمته كناطحات السحاب، فتسابقا لربط ذراعي الشاب بقدميه، وحمله والإلقاء به إلى الخارج في سلّة المهملات.
حدث كلّ ذلك أمام أنظار صاحب محل الحلويات والعاملين وأمام زبائن كثر، غير أنَّ أحدهم لم يفعل شيئا، فضلا عن أن ينطق حرفا واحدا، بل استمروا فيما هم فيه وكأنّ شيئا لم يحدث.
وراح الرّجل يتذوُّق ما طاب له من الحلويات، ويشير إلى صاحب المحل فيجمع له ما يشاء من العلب. وبينما ران على الجميع صمت مهيب، اقتحم المحل ثلاثة شبَّان، سارع الماردان إليهم بغية تمزيقهم، لولا أن أشار إليهما سيّدهما بالتزام الهدوء، وأخرج من جيبه أوراقا نقديّة كبيرة قدّمها للشبّان، الذين فغروا أفواههم دهشة، وأمسكوا بالمال بيد مرتعشة. وحالما رفع الرجل عينه للخارج إلى الشاب الجريح المسكين، اندفعوا ناحيته، ففرّ فزعا من ثلاثة أراد الانتقام بهم مِمَن ضربه وأذلَّه فإذا بهم يتدافعون لقتله.
وهمست زبونة لابنتها الجميلة ذات العشرين عاما، فخرجت هذه مسرعة، حتّى إذا دفع الرجل ما عليه من المال مع إكرامية ضخمة لصاحب المحل ولجميع العاملين، وتوجّه إلى الخارج، وجد الفتاة واقفة عند باب سيارته تبتسم في إغراء، فأردفها معه.
عندئذٍ صاح صاحب المحل بأحد العاملن، فتقدّم وجلا، فأمره بمغادرة المكان، بحجّة أنه لم يرحبِّ بالرجل بالشكل المطلوب. ليترك المحل منكَّس الرأس، غير قادر حتى على المطالبة بما له من رواتب متأخرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى