جعفر الديري - لحظة.. قصة قصيرة

تركتُ خَلفي الصيّادين يتشاجرون في المقهى، وانطلقت في رحلة جديدة مع أبي سعيد.
كان قد وعدني بمبلغٍ مُجزٍ نظير استئجاره مركبي. وبنصيب وافر من السمك إن جاء الصيد وفق ما يتمنّى. ورغم ارتيابي في سلوكه، قبلت عرضه مضطرَّا؛ فالمحظوظ من يفوز بزبون هذه الأيام.
وبينما رحت أدير دفَّة المركب، أخذ أبوسعيد يحدّثني عن محطات في حياته، وكأنّه ملاَّح عظيم لم يترك مكانا على وجه البسيطة لم يصله قاربه.
كان مقتنعا بأنَّه أسد البحار، ولا منازع له في لقبه. وقد أخطأت حين ذكرت اسم أبي يوسف. لقد تغيّر لونه وصَرّ على أسنانه، وكوّر قبضته في الهواء. ولم أكن أتوقع ذلك منه وإلا كنت لزمت الصبر. وإن شكرت لنفسي أنها أراحتني من الاستماع لحديثه، فقد استمر بعدها صامتا حتى وصلنا إلى المكان المقصود.
هناك أخرج أبوسعيد شيئا من لُفافة في جيبه. كان مسدّسا. ذُهلت بل أحسست بالشلل. فلم يحدث أن شاهدت مسدَّسا حقيقيا في حياتي. فكيف ورجل يمسك به مُصوبَّا فوَّهَته إلى وجهي؟!.
أمرني بالخروج من المقطورة والجلوس على أرض المَركِب. وأخرج جَوَّاله من جيبه. وراح يتحدّث من خلاله وعينيه لا تغادران وجهي. ثم أغلقه، وقال في صوت قاس...
- إيَّاك أن تنطق حرفا واحدا وإلاّ فجّرت رأسك. نفِّذ ما آمرك به إن كنت تريد النجاة.
ثم أمرني بفتح الصندوق الخشبي، فتحته وفغرت فمي دهشة. كان فيه مبلغ ضخم من المال موزَّع في ثلاثة أكياس.
قال ساخرا...
- كان المبلغ في مركبك منذ الأمس.
مرت أكثر من ساعة، وأنا على هذه الحال، محتار في أمري، عاجز عن فعل شيء، وهذا المجرم لا تغادرني عيناه. حتى أقبل رجلان، عرفتهما. هما من روَّاد المقهى. اقترب أحدهما مني، وقال مخاطبا أبي سعيد:
- ألم تقتله بعد؟
أجاب ساخراً:
- تركت المهمة لك.
أخرج الرجل مُسدَّسة فأيقنت بالهلاك، لكنه وبدلا من أن يوجَّه رصاصه لي، وجهه إلى أبي سعيد، فأرداه وأنقذني!.
ثم ساعدني وزميله على النهوض، وأبرزا بطاقتيهما. كانا ضابطين..
- نحن نراقب أبي سعيد منذ أشهر.. عليك أن تراجعنا في المكتب.
قلت بامتنان:
- أنا طوع أمركما. لقد أنقذتما حياتي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى