سفيان رجب - نصوص..

1: يَمْشي.. وفي صَدْرِه كَمَنْجَة:

الحُبُّ صَانِعٌ مَاهِرٌ لِلْكَمَنْجَات
بلَمَسَاتٍ زَرْقَاء
يُمْكِنُهُ أن يُحوِّل قَلْبَكَ كَمَنْجَةً.
…..
آه،
مَا أَرْوَعَ أن تَمْشِي بَيْن الأَشْجَارِ والنِّسَاءِ
بِكَمَنْجَةٍ في صَدْرِك.
…..
ومَا أَقْسَى أن تَنْحَنِيَ للصَّمْتِ
ولا تَمْتَدُّ أَصَابِعُ امْرَأة،
لِتُربِّتَ عَلى أَوْتار كَمَنْجَتِكَ.


2: دَمْعَةُ الكُحْل:

النِّسَاءُ كالظِّلاَلِ، إذا طَلبْتَهُنَّ يَذْهَبْنَ،
وإذا تَرَكْتَهُنَّ يَجِئن
تُوجَدُ امْرَأةٌ فَقَطْ إذا جِئْتَهَا جَاءتْكَ،
وإِذَا تَرَكْتَهَا تَرَكَتْكَ
تِلْكَ امْرَأَةٌ لَمْ تَأْخُذْ دُرُوسَهَا مِنَ الظِّلاَلِ
تِلْكَ امْرَأَةُ النُّورِ: تِلْكَ امْرَأَتُك.

أَفْنَيْتُ عُمْري بين مَتاَهَةِ النِّسَاءِ والظِّلاَلِ تَلك
اقْتَفَيتُ أَثَرَهُنَّ
واقتَفيْنَ أثري
وصَفَتُ عَجِيزَاتِهِنَّ لِلْمَقَاعِدِ الشَّاغِرَة
وسَخِرْنَ مِن قَفَاي
في مَتَاهَةِ النِّسَاءِ والظِّلاَلِ تِلك،
لاَ تُوجَدُ امْرَأةٌ رَأتْ صُورَتَها في عَيْني
ورَأيْتُ صُورَتي في عَيْنَيْها
وفي اللَّحْظة التي تَمُدُّ فيها يَدَها
لِتُرَبِّت عَلى كَتِفِ القَلْب،
تَكُون أَصَابِعي قد امَتَدَّتْ
لِتَمْسَحَ دَمْعَةَ الكُحْلِ من جَفْنِها
لا توجَد امرأة
تُمْسِكُني من طَرَفِ ذُهُولي
في مَتَاهَة النِّسَاء والظِّلالِ تلك،
وتَقُودُني إلى مَنْفَذِ النُّور.


3: سمكة:


بِحَسْرَةْ صَياَّدٍ نَبيلٍ، أُخْبِرُكِ:
أنْتِ بَقَايا سَمَكَةٍ
مَحْضُ نُخَاعٍ شَوْكِيٍّ مُلْقى في حَاوِيَةِ فَضَلاَتٍ
حَتَّى ذَلِك القِط الذي خَرجَ من مخيِّلة ”وول ديزني”
سَيُمشِّطُ بِك شَعْرَه المُبَلَّلَ،
ويَرْمِيك للتَّلف
مَحْض نُخاعٍ شَوْكِيٍّ في حَاوية فَضَلاتٍ
وصَيَّادُكِ الذي لَعَقَ أَصَابِعَهُ مِنْ مَرَقك
يَجْلِسُ الآنَ مُبْتَسِماً للبَحْرِ،
ويَرْمِي صِنَّارته لِسَمَكَةٍ أُخْرَى.


4: إدمان الجاز:


كان حزينًا وموحشًا، حين سرق اللّصوصُ سكسفونَه، وهي كانت مريضةً ويائسة كشمس أفريل، لا تعرف هل تتدفأ لماضيها الشّتاء، أم تتكيّف لمستقبلها الصّيف.ولمّا أدركت من خلال ثقوب الرّيح والرّجاء في قميصه الأخضر، أنه كان يبحث عن امرأة تقوم بدور سكسفون في حياته، فقد ملأت رئتيها بهواء الجزر البعيدةِ، واستسلمت للنّعاس بين أصابعه وشفتيه، وهو لم يتردّد في دغدغة أطرافها وملء جوفها بأنفاسه الثقيلة. لكن حين تأكدا معا، أنّهما لن يضيفا للحجارة الكيلومترية ما يجعلها ترافق المسافرين، وللماعز ما يجعله يطير، انفصلا بالتراضي. غير أنهما لم يستطيعا إخفاء مخلفات تلك العلاقة البراغماتية أمام الفضوليين. هي الآن تعاني من ثقوب كثيرة في القلب، ومن تسرّب الهواء البارد إلى أحلامها فجرا، وهذا ما يجعل قيامها الباكر يشبه نحيبا غامضا تحت قوس ابتسامة مشهرة. وهو الآن يعاني من إعاقة عاطفية حادة، تجعله ينظر بجحوظ للفراغ بين أصابعه وشفتيه، ويصفّر للضّجر.


سفيان رجب

* من كتاب “ساعي بريد الهواء”

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى