جعفر الديري - شاة دسمة.. قصة قصيرة

– جعفر الديري

كان الطقس شديد الحرارة، والشمس ترسل أشعتها فتصهر العظم قبل الجلد. والملاحِظ صاحب الوجه الذي يشبه وجه الذئب، مجتهد في تنفيذ أوامر المسؤول الإنجليزي، فهو يراقب العمال بانتباه شديد، متصيَّدا أخطائهم، على أمل الترقي في وظيفته.

ووحده اتخذ من حجر ملقى، مقعدا، وأخرج سيجارة، راح يدخِّنها بجسارة، مثيرا غضب الملاحظ:

- ألا تخشى على رزق عيالك؟

سأله أحد العمال مشفقا عليه ..

- الرزق على الله.

- أنه ينظر إليك بمقت شديد.

- أعرف .. هذا شخص لا يخاف الله.

ثم رمى بعقب السيجارة بعد أن التهمها كاملة، وعاود العمل بهمَّة شاب في العشرين من العمر، وليس عائلا يقترب من الأربعين، له من الأبناء أربعة، وابنة صغيرة في قماطها.

وسمع صوت المسؤول الانجليزي ينادي غاضبا على الملاحظ، فأسرع هذا لتلبية ندائه، وغاب لخمس دقائق لا أكثر، خرج بعدها من الكبينة، منتشيا، كأنه مقبل على التهام شاة دسمة ..

- أبومحمد ..

والتفت إليه دون اهتمام ..

- لقد شاهدك المسؤول.

- وماذا يريد؟

- إنه يرغب في التحدث إليك.

ومضى للمسؤول، وحالما حاذى الملاحظ قال هذا ساخرا ..

- دع غرورك ينفعك الآن.

"لقد تقرر مصيره أخيرا، ووجه الذئب هذا نجح في مسعاه، ولا شك أنهم سينقلونه لمكان آخر، حيث العمل أشد وطأة".

لم يلبث طويلا عند المسؤول الانجليزي، حين خرج هادئا، دون أن يبدو أي تغير على ملامحه.

أمسك بالمعول، وعاود الحفر، صامتا، ما أثار قلق الملاحظ، فبادره بالقول:

- عنَّفك .. أليس كذلك؟

- ..

- لماذا لا تجيب؟

- لماذا لا تذهب إليه وتسأله؟ إنه يطلبك.

وهُرِعَ الملاحظ إلى مسؤوله الانجليزي، بينما التفت العمَّال إليه:

- ماذا يريد هذا المتصهين؟

- كل الخير إن شاء الله.

وشاهد الملاحظ يخرج من كبينة المسؤول جامد الوجه، عاضَّا على شفته غيظا وحنقا:

- فعلتها أيها الحقير؟

- ماذا فعلت؟

- لقد وشيت بي.

- بل أنت من وشى بي.

- إذن كيف؟!

وضرب راحته بقبضة يده، ومضى ثائرا، يشتم ويلعن، وهو يشيُّعه بنظرات السخريَّة.

تحلَّقوا حوله، وسألوا في لهفة:

- ماذا حدث؟

- نقله الى مكان آخر.

هلَّلوا فرحا:

- وأنت؟ قل انه عينك مكانه.

ضحك إشفاقا عليهم:

- بل خصم علي أجرة هذا اليوم، وتوعدكم بملاحظ أشد.

تطلعوا لبعضهم في وجوم، ثم عادوا للعمل وأعينهم تفيض همَّا وانكسارا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى