عبد الجبار الجبوري - لنْ أبُوحَ للرِّيحِ بإسمِها (نصّان)

1– لنْ أبُوحَ للرِّيحِ بإسمِها

كانتْ تجيءُ الى بيتِ القصيدة، حاملةً أغنيةَ النهّار، وهمومَ المساءاتِ وتفرشُ أسرارها على قارعة الشوق، عند بوابة المسقى، فيقرأُها الفقراءُ والشعراءُ وأنا ،الفقراءُ يشوفونَ فيها بؤسهم، والشعراءُ تعاستِهم ،وأنا خيباتي المبعثراتِ طول الطريق إليها ،كنتُ أنتظرُ الخميسَ (كلَّ خميس) ،أبعدُ من سماءٍ لاتُرى، ويومٍ لايجيءُ، أعدُّ لحظاتِهِ، كأنني طفلٌ ينتظرالحلوى من يدِّ أبيه، وكنتُ طفلَها المُدلّلِ، وعاشقَها المدللِّ ، تحدثُّني طلتُها عن كلِّ شيءٍ ، عن قامتِها التي تشبه نخلةَ السماء، وعينيها اللتان تُشبهان عيونُ المّها ، ونِهداها الخَجلانِ من فم الوردة ،وحلمتاها الهاربتان في صحاري المطر، وخصرها المغزولِ بماءِ الكلام، وشعرِها المسدول على جثتي، يااااااااه كم أذوب بإبتسامتها، وصوتها المبلول، برضاب فمي،كم يسعدني الحديث معها،والإنحناء لقامتها،وهي تمدُّ يدها ليصافحَ كفُّها قلبي قبلَ كفي،وتصافحُ عيناها عيوني، وشفتاها شفتّي ،لأقفَ أمامها كشجرةٍ يابسةٍ، كلُّ شيءٍ فيَّ يتلعثم خجلاً حتى لساني ،هاهيَ تلوّح ثانيةً للبحر، وتفرشُ حصيرتها قرب روحي، وتقولُ للرّيح تعال ، هذا ليسَ قلبي، هذا رمادُ حبّهِ ، وتقولُ للنخيلِ ظَللّْ على ذلك الرماد، الذي هو قلبي، لاتحزنْ إذا إفترقنا يوماً أيها الرماد، فالنارُ ستخرج ثانيةً من ذلك الرماد ،الذي هوأنتَ ،وتعيدهُ لجسدي وهو رَميمْ ، لاتفتحْ بابَ الليلِ، دَعْهُ مُغلقاً ،يتهجّد فيهِ قلبي، ويصلّي، لرمادِ حُبِّكَ المقدّس ، هكذا تَبوحُ لي، حينما نَلتقي –وَحْدَنا – تحت شُجيرة القصيدةِ الوحيدةِ، تلك القصيدةُ التي هيَ أنتِ …

(الموصل طبعا..في 11/10/2019)…

*************

2- عيناك واسعتان وقلبي حزين

تعالي، فالطريقُ بعيدٌ( ولو ندري الطريق إبعيد والفركة غصب صارت)،وأنا رجلٌ عليلُ الحرفِ أتلفهُ البُعْد،وأتلفهُ السُّهدُ، وأتلفهُ الوّلّهُ القتّالُ بعينيك،أنتِ قاتلَتي، وصوتُ أيّامي، ودمعةُ وِحْدتَي، وشالُ لوعتي ،الذي تُلوحيّن به ،كلمّا دَنا الموتُ مِنيِّ،وأنتِ تجلسين قرب روحي، تغزلين حرُوفي قصائدَ عشقٍ أزلّي ،وقَلبي يصيح ،(عُود اآنا العمر كُلهّن كضن كلهن وياج ،ويافيْ النبّع وأطعم عطش صبّير ولافركاج)، مااحلى طعم الصبير على شفتيك ،وأنتِ غائبةٌ كنجمةٍ ، وحاضرةٌ كصُبحٍ، ياكُلّ كُلّي،وظلَّ ظِلّي وبعضَ بعْضي، تُشبهُني أيامُك الغرثى، كما يَشبهُني فراقكِ السرّمدي، وأنتِ تنامينَ بأعماقِ روحي، على سريرٍ من وَلَهٍ وصمتْ،كنتِ تقولينَ لي (لو فينا نهرب ونطير مع هالورق الطائر،)،أينَ نهربُ، والموتُ يتربّصكَ كما يتربصُني،كنتُ اقولُ له تمّهلْ قليلاً أيها الموت ، فيزجرني، ويبطيء ،فأُلاويهِ ويلويني، يصرعني وأصرعه ،ويتركني قِشةً في مهبِّ الرِّيح ، لاتعاندْ يقولُ لي، وأنا اتوّسله، وأمسحُ نزلتْ من عيونِ الليّل ، أنْ يؤجّل موتهُ، حتى أشبَع من عيونها، وأشبع من طلتها، وأُطيل النظر الى قامتها، التي تُشبهُ سماءَ قصائدي، وأنتِ ياأختَ قلبي، قصيدتي، التي كلّما أشرقتِ الشمس يتلّفتُ نحوك، زهرالبيّبون، وهو يُمطركِ بوابل من القُبَلْ ، ها أنا أدمنّتُ الخميس، وأنتِ تجيئينُ كنخلةٍ ،على صهوةِ الشوّق، ،وكنتُ انتظركِ ( على أحرِّ من الجّمر )،عند بوابة الاوركيدة في ميرسين كل خميس ، كي تشرقينَ ثانيةً كصباح، وتجلسينَ على دكّةِ قلبي كمَلِكةْ ، لنشربَ عصيرالقُبلِ سوّيةً، ويرحلُ البحرُهناك ، كما ترحلُ نجومُك هنا، وأنتِ بأحضانِ المَساءِ نجمةً، ترسمينَ فوق رملِ الكلماتْ، فاتحةَ الماءِ، ويأفلُ القَمرْ ….

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى