د. نادر عبدالخالق - فايق العارف.. قصة قصيرة

رأيته يسير فى الشارع دون اكتراث أو خوف .. إنه يبتسم ويصدر قهقهات عالية ولا يعبأ بشىء أيعقل أن يكون هكذا من يفقد ... حياته ... بعد أسبوع..؟؟
هل لى أن أخبره بشىء .. ؟؟
وهل أجرؤ على ذلك ..؟؟
أمر صعب جدا !!
وإذا صارحته هل يصدقنى؟؟
وإذا صدقنى هل يصدق الأخرون؟؟
إنها مغامرة !!
سأدخل فى جدل لا طائل من وراءه، ولن يتغير فى الأمر شىء .
لن تتوقف هذه الحوادث .. سأعيش تعسا بقية عمرى ..!!
هل يمكن أن أواصل حياتى بدون نوم .. وأستريح من هذا الهم ..؟؟
لقد حاولت مرارا وتكرارا أن أفكر قبل النوم فى أشياء بعيدة وغريبة تلهينى عن ذلك، وقسوت على نفسى كثيرا بكثرة السهر ومجافاة النوم حتى سقطت من تلقاء نفسى وخارت أعصابى وأصابنى الهزال والشحوب .
من أسبوع مضى رأيت ابن عمى يقضى نحبه فى حادث سيارة .. كان بوسعى أن أحذره لكنى خشيت أن أتهم بالجنون، ومن قبل رأيت خالى فى موقف خطير لم يلبث بعدها أن فارق الحياة، بعد المدة المقررة، ووقفت أتفرج رغم علمى بكل شىء ..
هل هذا غيب .. أم تجلى فوق الواقع !؟
هل هذه كرامة ولى ؟؟ أم بركة عارف ..؟
لا أدرى .. ما تفسير ذلك ..
يجب أن أتناقش مع رجل دين غزير العلم عميق الفكر، له دراية واسعة بعلوم الغيب والمنطق والفلسفة والروحانيات .. يجب أن أحسم هذه القضية، وأصل إلى رأى حاسم يشفى صدرى ويخرجنى من ذلك .. وماذا لو لم يثق فى كلامى ؟؟
على أن أبدأ بأقرب الناس لى وأعالج معهم هذا الأمر .. إننى أخشى عليهم من هول المفاجأة ..
ولكن كيف يصدقوننى..؟؟ .. وماذا أقول لهم .. ؟؟
سيتهموننى بالكفر أو الجنون، ولن أصل معهم فى هذه القضية إلى حل قاطع .
إذن أذهب إلى طبيب نفسى وأحكى له كل شىء وأعلن له صراحة أننى فى أزمة كبيرة .. لماذا يحدث ذلك معى ..؟
ولماذا أقاربى..؟؟
توجه إلى عيادة أشهر طبيب نفسى وعصبى بعد سؤال واهتمام بالغين، أخذ دوره فى الحجز.. جلس على مقعد أسفل جهاز التكييف، أخذته سنة من النوم، استيقظ بعد دقائق فزعا يصرخ بأعلى صوته قائلا :
ألحقوا الدكتور ..
ألحقوا الدكتور ..
خرج من العيادة يجرى عائدا إلى بيته .. دخل غرفة نومه .. ظل يبكى حتى تورمت عيناه وفقد الرؤية الواضحة المعتادة لديه، لقد تطورت الحالة وتجاوزت الأقارب إلى غيرهم من الناس .. فهو لايعرف الطبيب ولم يلتق به من قبل !!
قرر أن يذهب إلى عراف ومن له خبرة بالروحانيات.. وصفوا له رجلا ذو طبيعة خاصة، لديه معرفة واسعة بعلم الأرواح، وقراءة الواقع، والمستقبل، والتنبؤ بما سيحدث من خلال دراسته لعلم الفلك والأبراج، ويستطيع كذلك تفسير الأحلام وتأويلها، إنه الشيخ فايق العارف ..
قال الشيخ فايق :
تحدث .. مم تشتكى يا أستاذ رضا ؟؟
أجاب مشكلتى أننى أخشى النوم ..
لماذا ..؟؟
أجاب : يأتينى فى المنام هاتف قى صورة شخص لا أعرفه يقول أشياء المفروض أنها غيبية .. لكنها تحدث فى الواقع كما هى وفى الوقت الذى حدده .
قال العارف تمدد أمامى يارضا ضع يدك بجانبك ولا تفكر فى شىء .. أخذ العارف يتمتم بكلمات غريبة ثم وضع يده فوق جبين رضا قائلا :
صف لى ماترى دون زيادة أو نقصان .. قال رضا :
أرى أننى أقف أمام قبر لا سقف له، وقلبى يرتجف خوفا وهلعا، معى رجل يبدو أننى أعرفه .. يبتسم لى .. ملامحه قريبة من ملامحـ .. ك . دخل إلى القبر وتمدد مبتسما .. فى غير وجل ولا خوف .. وبجواره طفل بض صغير استدار لى تاركا ابتسامة غريبة لا أعرف معناها .. أحاول الدخول معه إلى القبر .. لكن القبر أغلق بابه وتساوى بالأرض، وأصبح له سقف منيع .. نهض رضا مذعورا من نومته ومن تمدده أمام العارف نظر فى وجهه دقق فى ملامحه جيدا .. اشتد فزعه وخوفه .. وقلقه من العارف :
إنه .. أنت .. أنت .. أنت الشخص الذى دخل القبر وتمدد بجوار الطفل الصغير.. وضع العارف يده محكما قبضتيه على فم رضا قائلا :
أخرس .. أخرس ..
لا تردد ذلك .. ستقتلنى .. ستقتل أبنى ..
ظل قايق العارف ممسكا برقبته مكمما فاه لوقت قصير .. حتى خارت قواه وتلفت أعصابه وبدأ الخوف والقلق يسيطران على وعيه، وكانت مقاومة رضا وحرصه على الخلاص سبيله فى الفكاك والانطلاق إلى خارج المكان، تاركا خلفه العارف وولده الصغير يحتضران ..
-------------------------------------
من مجموعة الرجل الرابع
د. نادر عبدالخالق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى