عارف حمزة - اصنعي معروفاً من أجلي..

في غرفة العناية المشدّدة
فكّـرتُ بين إغماءةٍ وأخرى
لا بلْ تمنـّيتُ
لو أنـّهم يعزفونَ لي قليلاً
بدل َ كلّ هذه الخراطيم
وتلك الدّموع في المـمرّ.
/
روحي تعلّـقَـتْ بذلك الكمان
وإذا فسّـرتُ عودة الأحلام إلى منامي
فهي عنايةُ ذلك الكمان.
/
تظنُّ الممرّضة
بأنـّني ما زلتُ على قيد الحياة.
كانت تقـلبُ فنجان القهوة
فيندلقٌ بختي أمامي كالثعابين.
ولو بقيتُ صبوراً قليلاً
وأمعنتُ النظرَ
كنتُ سأرى جسدي ممدداً ومهجوراً
كما هو عليه الآن.
ستفشلُ دائماً
مهما حاولتْ
أن تعصرَ دمعتين
من عينيها العسليـّتين.
قد تقـتلُ نفسها، قلتُ في كمامة الأوكسجين ،
قد تسمّـمُ بخـتها أيضاً
بكلِّ هذه الثعابين.
/
بسبب بختي، كنتُ أقول في كمامة الأوكسجين،
وكي تكفّ أمي عن تقليبهم
خرج الحرس النقشبنديّ من قبورهم البعيدة
والجليديـّة في الأناضول
و جاؤوا ليبقوا إلى جواري
لكي ينظروا إليّ نظرة الوداع
وعندما فتحتُ عيني
كانوا
قد بدؤوا
يغادرون .
/
أيّـةُ قلوبٍ قاسية هذه القلوب؟
بأيـّة يدٍ قويـّة
ولا ترتجفُ
وضعوا صورة هذا الطفل البريء
لكي ينـظرَ إلينا ونحنُ نحتضر على الأسرّة؟
حتى لو متُّ
سأحتاجُ لأحدٍ ما
لكي ينـقذني
من تلك العيـنيـن .
/
لا أفكّـرُ بكَ أيها الأمل.
أصبحَ من الصعبِ عليَّ
بعدَ هذا الحرمان
أن أفكِّـرَ
بشيءٍ غريبٍ وميـّت.
/
أريدُ أيضاً أن يُـخفّـضوا
صوتَ الآلات المراقبة للقلب الضعيف
وأن يُـزيلوا لوحة الأزهار الوسخة
عن الجدار النظيف
فأنا لا أفكِّـرُ بالحياة
فأنا
ما عدتُ قادراً
على التفكيرِ بالحياة.
/
أيـّتها الأمراض
يا آلام الأمراض
يا فاكهة الانتظار المتعفـّنة
وثقل حجارة الوحدة:
كيف استـسلمتُ لكِ هكذا بسهولة ؟ .
/
عندما زرعوا عيناً
بدل َ عيني التي تـلِفَـتْ
لم يتغـيّـر عليّ شيء .
/
كانت أمي تبكي في الزاوية
بجانب الشجرة التي من البلاستيك المرّ.
ربـّما كانت أمه التي ماتتْ بموتهِ.
لكنهُ هو أيضاً جاء من البرّاد
لكي يبكي علينا في الزاوية
أعرفُ تلك العين
إنهُ هو بالتأكيد
شقيقي
في العينين .
/
كنتُ أتمنى
أن أكونَ بلا عينين .
منذ ُ الصغرِ كنتُ أتمنى ذلك
لا تقولي أن ذلكَ مخيف
أنا الذي أعرفُ ما هو المخيف.
/
أعطيتُ نفسي فرصاً كثيرة.
ليسَ فقط
عندما كنتُ أتلقى خبطةً في القلب
كنتُ أتذكّـرُ أمنيتي.
/
في غرفة الإنعاش
كان قلبي يدقُّ مثل جرسِ كنيسةٍ مهجورة.
ليستْ الكهرباء
بل الدموعُ هي التي أيقظـتـني
كنتِ تبكينَ مثلما يبكي جيش مهزوم
بجنوده
وأسلحتهِ
وتاريخهِ
وجياده الأصيلة الميـّتة.
كانت الدموع هي مَن تهزُّ السرير المعدني
كي توقظَ
هذا القلب المعدنيّ.
/
لو كنتُ حيـّاً في تلك اللحظة
كنتُ سأقولُ أشياءَ مضحكة
لم أقلها لكِ في حياتي.
تمنـّيتُ
من كلِّ قلبي
لو كنتُ حيـّاً في تلك اللحظة
وأن أفتحَ قلبي
بدلاً من عيني
التي لا ترى .
/
رغمَ أنني أعرفُ
أنـّكِ في المدينة الأبعد
و قد لا تملكين الوقت لكي تـتعلمي العزفَ
و لكنّ ذلك ليس سبباً كافياً لكي تـتركيني وحيداً
وضعيفاً
للأقدار .
وذلك
مثلما أنا متأكد
ليس صعباً عليكِ
وكذلك
اصنعي معروفاً من أجلي
فبمجرد أن تـفـتحي الشباك
وتخرجَ تلك الرائحةُ
حتى يبدأَ كمانٌ غامضٌ
باصطيادِ
كلِّ هذه الأرواح.
(قرب كنيسة السريان 2012)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى