د. نادر عبدالخالق - محروس يوسف.. قصة قصيرة

عاد لتوه من عيادة الطبيب يصطحب زوجته ماريا، زيارة تتكرر كثيرا من سنوات ليست بالقليلة دون فائدة، ولا طريق أمامه إلا إقامة الصلوات والتراتيل والمزيد من الشعائر والطقوس والدعاء لله تعالى لكشف الغمة ومعرفة السبب الغامض الذى لايستطيع الطبيب المعالج لزوجته أن يصل إليه .
دائما ما ينصحه الأب " توما " بالصبر وأن قدرة الرب تفوق كل احتمال سبحانه يقول للشىء كن فيكون، عليه فقط أن يذهب للطبيب فى الأوقات الصحيحة والمناسبة حتى تجدى المتابعة، وأن يحرص على حضور القداس بشكل منتظم .
تزوج محروس وماريا من خمس سنوات وكلما رزقهما الله بمولود مات قبل أن يتم عامه الأول، تكرر هذا الحدث مرات ومرات، رغم أنه أجرى كل الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، وعند بداية كل حمل يقوم بزيارة طبيب أمراض النساء والتوليد الشهير بمدينة الزقازيق .
ويتابع كذلك مع طبيب أمراض الدم الشهير بالقاهرة ويجرى كل الفحوصات المتعلقة بالجنين فترة الحمل كاملة وعند الولادة وبعدها .
حدثته نفسه ماذا لو مات هذا الجنين إنه الخامس .... كابوس يسيطر عليه ولا يفارقه، وهو الريفى الذى يعشق الولد ويعرف معنى انقطاع الذرية، ولا تسمح له الشعائر والطقوس بالطلاق والزواج من جديد فتلك قضية مازالت الكنيسة التابع لها لم تحسمها بعد كما يقال، فضلا عن أنه يحب ماريا ولا ينسى قصة الحب التى دارت بينهما وكيف أنها رفضت الكثيرين من راغبى الزواج منها لشدة تعلقها بمحروس الطيب الشهم .
مرت الأيام ووضعت ماريا مولودها الخامس، وكان ذلك فى مدة حمل لم تتجاوز التسعة أشهر كاملة على غير العادة، ولم يطمئن قلب محروس ولم يكن ذلك فألا حسنا عنده فزاد خوفه وقلقه وفزعه وفكر ماذا يفعل وهل بيده شىء، الذرية منحة من الرب، والحياة هبة منه تعالى يمنحهما لمن يشاء، لكن نفسه تحدثه بأن يفعل شىء ما ..!!
هو لا يدرى فالعجز يسيطر عليه ..!!
جاءه الناس للتهنئة كالعادة منهم المسلمين ومنهم المسيحيين وكلهم جميعا تمنوا له الخير وأن يحفظ الله مولوده الجديد ..، همس فى أذن إمام المسجد سرا أثناء زيارته له، أن يدعو الله تعالى له خاصة أن رمضان شهر الخير والنفحات وفيه ليلة القدر..، والله ينثر رحمته وبركته على أهل الأرض فى هذه الأيام المباركة، استجاب شيخ المسجد له ودعا بكل خير للمولود الجديد ودعا أيضا بالعمر المديد .
مازال القلق والخوف يساوران محروس وماريا خاصة أن مولودهما يتمتع بصحة جيدة وزاده الله جمالا وبراءة جعلتهما يتعلقان به حبا وشغفا، وقد زاد ذلك من حالة الاضطراب التى تسيطر على حياتهما .
كلما سمع محروس أجراس الكنيسة تدق، أو آذان المسجد يعلو صوته فى المآذن يرفع يده للسماء تضرعا ورجاء وتوسلا إلى الله تعالى أن يحفظ عليه ولده وأن يبارك فيه ويجعل منه الذرية الصالحة .
وفى ليلة من ليالى رمضان وتحديدا الليلة الخامسة عشر اشتد قلق محروس عن المرات السابقة وشعر أن عليه أمرا لابد أن يفعله تقربا إلى الله تعالى وحتى يصبح مستجاب الدعوة، ويحفظ الله ولده وفلذة كبده فقرر أن ينذر نذرا لله تعالى وهو ما استغربه الناس جميعا مسلمين ومسيحيين .
نذر محروس أن يصوم نصف رمضان من العام القادم بقية عمره إذا عاش ولده " جوزيف"، وجاء العام الجديد وجاء رمضان ومازال جوزيف على قيد الحياة .
صام محروس نصف رمضان صياما تاما كاملا، ولازال يصومه حتى الآن، بعد مرور عشرات السنين، وبعد أن رزقه الله من الأولاد أربعة، وأصبح له من الأحفاد ثمانية.
يداعبه ابنه الأوسط ما عليك صيام..!!
لماذا تصوم لن يسألك الله عن صيام رمضان..؟
ويداعبه شيخ المسجد قائلا لقد صمت وأفطرت فى المغرب كما يفعل المسلمون تعالى معى نصلى العشاء والتراويح..!!
فيجيبه قائلا :
صليت أذهب أنت كى تلحق صلاتك يامولانا ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى